إحدى صفات الفن المعاصر قدرته ورغبته في توسيع حدوده، ويأخذ هذا شكل الابتكار في الموضوعات المختارة أو الوسائط بالنسبة لبعض الفنانين، بينما بالنسبة لآخرين فإنه يستلزم تحدي الوضع الراهن، أو المحرمات الاجتماعية: تحدي البرجوازية، وفي عدد آذار/ نيسان من مجلة آرت آسيا باسيفيك نتفحص الطرائق التي يوسّع فيها الفنانون تصوراتهم، وحدود العالم من حولنا.
على غلافنا الفنانة آشلي بيكرتون المقيمة في بالي، والتي تنتمي إلى حركة “نيو جيو” الحداثوية، وهي تجلس مع الفنانة الأندونيسية إينتانغ ويهاروس التي تنسج سرديات صراعيها الشخصي والسياسي مع الواقعية السحرية في لوحاتها وتركيباتها النحتية. معاً ناقشتا ما يعني أن تكون فناناً مرتبطاً بالتقليد والتاريخ والميراث الأسلوبي، وفي الوقت ذاته تحاول افتتاح أرض جديدة، وربما الأكثر أهمية تجنّبك أن تُعتَبَرَ غرائبياً أو مستقطباً من قبل السوق.
من نيودلهي المحررة المشاركة في آرت آسيا باسيفيك جيوتي ذار؛ تقدم العمل الفوتوغرافي الرائع لدايانيتا سينغ. تتفحص ذار كيف تطور فن سينغ، مكتشفة المجال الواسع لموضوعاتها (المخصيّون، الكراسي، المناظر الصناعية)، والوسائط التجريبية للعرض (كتب أكورديون، متاحف متنقلة)، وقد أتاح لها ذلك أن تسأل عن التوقعات حول التصوير الفوتوغرافي كوسيلة وشكل فني معاً.
مرة أخرى عدنا إلى السيرة المهنية لأحد مؤسسي جماعة "النجوم"، وهو الفنان الصيني ما دشينغ المعروف بالطباعة على الخشب باللونين الأبيض والأسود، والذي يوضح كفاح العمال كل يوم خلال الثورة الثقافية، وهو معروف بسبب مشاركته في مجلة جينتيان المنشقة والهامة، وبسبب رسوماته الأخيرة بالحبر التي نفذها في منفاه الاخيتاري في باريس. وتشارك آرت آسيا باسيفيك المحرر أندرو كوهين في الكشف كيف كان دشينغ محفزاً هاماً للتغيير خلال ربيع بكين عامي1978 و1979، والذي يحترمه ويوقره أبناء جيله من الفنانين الطليعيين.
في هذا الإصدار نختتم سلسلتنا (20/20)، وهو مشروعنا الذي استمر على مدى عام احتفالاً بالذكرى الـ20 لمجلتنا آرت آسيا باسيفيك. حيث أربعة مساهمين درسوا عدة فنانين والمشاريع التي تشكل علامة فارقة في أعمالهم. فالمخرج وقيّم متحف الأركولوجيا والإنثروبولوجيا في جامعة كامبريدج نيكولاس توماس يتذكر أول مرة شاهد فيها لوحة كولوكاكينا (بعد تجريب شيء معجزي؛ انسحب)/ 2004؛ للفنان جون بيول من جزيرة نييوي. والفنان المانيلي والقيم رينغو بيونون يتأمل في العمل المؤثر من الأعمال الأخيرة للفنان روبرتو تشابيت الذي يعتبر أبو الفن المفاهيمي الفيليبيني، فيما يتحدث المحرر إتش جي ماسترز مع لاميا جوريج عن فيلمها الوثائقي (هنا وربما في مكان آخر)/ 2003؛ الذي يبحث في الغياب والذاكرة بعد الحرب الأهلية اللبنانية، وفي الختام هندرو ويانتو محرر مكتب إندونيسيا يزور مرة أخرى سلسلة تنصيبات كريستين أي تجوي (لاما ساباختاني كلوب)/ 2009/2011؛ وهو استنطاق للإيمان الروحي وعلاقته بالألم.
في باب (لمحة) زار جويس بيكينشتاين مؤرخة الفن المرموقة، الرئيس السابق والرئيس التنفيذي لـ “آسيا سوسيتي” فيشاخا ديزاي في بيتها في لونغ آيلند، حيث ناقشا الاستقبال العالمي للفن الآسيوي الحديث والمعاصر، فيما انطلقت إيزابيلا هيوز إلى مرسم طارق الغصين في أبوظبي لتكتشف آخر أعماله في معرضه (كي فايلز)/ 2013؛ الذي عرض لأول مرة في جناح الكويت في بينالي البندقية، بينما تشرح ستيفاني بيلي أعمال النجمة الشابة الداغستانية الصاعدة تاوس ماخاتشيفا وأفلام الفنانة وتركيباتها التي تصور غالباً الأراضي الجبلية لبلدها، والتي هي أشبه ما تكون “رسائل حب” لوطنها الأم
نتابع موضوع العدد في باب (مقالات)، وذلك من خلال تقييم التعاون الفني المستمر، حيث يتقصى كيفين جونز المشروع المازح (جي سي سي) على غرار مجلس التعاون الخليجي، مناقشاً استقبالهم المختلط في الخليج، إضافة إلى عملهم المربك غالباً، ويقلد ويسخر من المراسم المبالغ فيها في المنطقة، أما تشين تشين ياب فيقدم المجال المزدهر لفن “الهاكر” أو القرصنة، وهو خليط دادائي فني من الفعّالية والعبث، إذ يعتبرون الشرف الرفيع هو تلقي الفنان رسالة تهديد برفع دعوى قضائية للتعدي على حقوق الملكية الفردية، ومن سيؤول يتأمل ليز بارك سيدات جيومتشيون، وهم جماعة فنية تعلّمت ذاتياً، وتتألف من سيدات منزل في منتصف العمر(أجومّا)، ويوضح نشاطاتهن من تنظيم دروس في الرسم، وصناعة أفلام قصيرة، وتشغيل مقاهٍ مجاناً، ومناقشة مشاريعهن الفنية مع الزوار، حيث يعكسن العلاقات الاجتماعية المتغيرة في كوريا الحديثة.
في باب (حيث أعمل) لهذا العدد سافر المحرر جون جيرفيس إلى نيودلهي، وقام بزيارة غير متوقعة للفنان سوبود غوبتا الذي حقق شهرة عالمية في أعماله بالقدور والمقالي وأشياء أخرى من الحياة الهندية الشعبية، أما باب (إيفاد) فيأخذنا إلى معرض دبي للفنون الذي بدأ مؤخراً ينتج مزيجاً من النشاطات الثقافية عبر المدينة، وفي (ون أون ون) يشرح هارون ميرزا إعجابه الطويل بأعمال الفنان ألان كين. في باب (تحت المجهر) يتأمل ليونغ تشي وه من هونغ كونغ وضع تعليم الفن في الماضي والحاضر في المناطق الإدارية الخاصة في هونغ كونغ.
ونختتم العدد مع وكيل نيويورك دانييل بروكس الذي رافع عن المصور الفوتوغرافي الفرنسي باتريك كاريو في قضية حول حقوق الطبع والنشر ضد الفنان الأمريكي المشهور ريتشارد برينس، ليوضح كيف أن قرار المحكمة لصالح برينس يقوض حافز إبداع فن أصيل، وخاصة عندما يسمح باستباحة الأعمال التي يمكن استنساخها بسهولة مثل التصوير الفوتوغرافي. فاعتبار العمل الفني عملاً “مؤثّراً ومغيّراً” هو عادة أرفع أشكال المديح، لأنه يدل على القدرة المدهشة للفن المعاصر على الإصلاح والاستعادة، لكن – كما يوضح بروكس – ربما ما نزال نكافح لنحدد ما الذي يسمح لنا، أو لايسمح لنا بأن ننظر إلى العالم بشكل جديد.