P
R
E
V
N
E
X
T

VIKTOR VOROBYEV and YELENA VOROBYEVA. Photo for Memory. If a Mountain Doesn’t Go to Mahomet . . . #1. 2002, C-print, 60 × 90 cm. Courtesy the artist.

لاجنون في الأرض المشاع.

Taiwan
Also available in:  Chinese  English

اقترح الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز مصطلح “نومادولوجي” بديلاً عن مفهوم التاريخ عند الفيلسوف الألماني ويلهلم فريدريك هيغل، ذلك المفهوم الذي هيمن منذ عصر التنوير، وبالنسبة لدولوز التاريخ ليس عملية عقلانية يتقدم وفقها الجنس البشري إلى حالة أكثر كمالاً، إنما يتبع مبادئ طبيعية أو "بدوية"، فهو يتراجع ويتقدم من دون هدف محدد، وقد رأى دولوز أيضاً أن الرُّحَّل نقيض الأعباء المادية للدولة (الجدران، الشوارع، الحدود الوطنية)، ورأى ظاهرة الترحال كحالة مقاومة ضد صرامة المؤسسات، وقد طغت ظلاله على معرض (نو ماد-نيس إن نومانس لاند) الذي أقيم في تايبيه في صالة عرض إيسلايت، ولأن المعرض ضمّ نسبة كبيرة من أعمال فناني آسيا الوسطى؛ لم يستطع أن يقرر فيما إذا كان سيتبنّى مفهوم “الترحال” بشكل حرفي كتعبير عن الهوية الثقافية؛ أم على نحو تصويري كغموض “ملاحظات حول كيف ينتج الفنانون أعمالهم في هذه الأيام”.

من يملك الآن حق أن يسمى "رُحَّلاً"؟، حتى دولوز سيجد هذا السؤال مربكاً، لأن الحداثة طاردت الرُّحَّل التقليدين، وإلى حد ما كانت سبباً في انقراضهم، فما من أحد من الفنانين المشاركين في المعرض يمكن اعتباره أنه يعيش على ذلك النحو، فمعظمهم يعيشون في مدن عالمية، لا أحد منهم ينام في الخيام، أو يركب الحمير عبر سهوب آسيا الوسطى، ومع ذلك ثمة العديد ممن يعيشون هناك أو تعود جذورهم إلى أفغانستان وأوزبكستان وكازاخستان، وتصف أعمالهم مراراً ثقافات العواصم الغربية على أنها تنسل بقوة إلى الثقافات التقليدية. في معرض (Korpeshe-Flags) 2009/2011؛ قدّم الفنان الأوزباكي سعيد أتابيكوف بطانيات/أفرشة مثل تلك التي يستعملها البدو في خيامهم في آسيا الوسطى، لكن مع خيوط زخرفة عربية تقليدية تعلوها أعلام وطنية لبلدان مختلفة، وفي سلسلة (صور للذكرى)/ 2002؛ قدّم الفنانان إيلينا وفيكتور فوروبييف صوراً للريف الكازاخي في خلفياتها معالم من باريس ونيويورك وموسكو، ومع أنها أعمال ذكية؛ إلا أنها في معظمها رسوم ذات فكرة أحادية عن الهوية الهجينة. لكن هل الرُّحَّل هم مجرد بشر آخرين يرون أن الغرب يبتلع ثقافتهم التقليدية؟

أعمال أخرى تذهب أبعد من ذلك تُظهِر البدو على أنهم ضحايا. ملصقات على الورق للفنانة رينا سايني كلاط، والمصنوعة من المطاط المختوم بأسماء أشخاص حقيقيين رُفضت طلباتهم بالحصول على تأشيرات سفر إلى الخارج، والتضمين هنا أن الظالم هي الرأسمالية العالمية. ورغم أن هذا العمل غالباً هو مجرد تشجيع لليسار الجديد؛ إلا أن المعرض أوحى على الأقل بتطور في مفهوم "الترحال"، فالبدو احتلوا دائماً هوامش أراضي الحضارات، لكن العالم الآن مقسم كلياً، والترحال لم يعد مفهوماً يشير إلى الأرض المادية، وعوضاً عن ذلك فإن الرُّحَّل يقيمون في بؤر جديدة مثل مناطق الحرب، والأحياء الفقيرة، والمناطق الهامشية بعيداً عن سيطرة الاقتصاديات الحديثة والحكومات، وتشكل هذه المناطق “الأرض المشاع” اسماً للمعرض.

هناك عمل واحد يقودنا حقيقةً إلى فهم هذه الفكرة القوية، وهو أيضاً الأقوى في المعرض، (عنوان: مشروع بلد آخر)/ 2008؛ هو اسم معرض أقامه الفليبينيان المغتربان إيزابيل وألفريدو أكويليزان، ويتألف العمل من ملابس قديمة، كمبيوترات من طراز قديم، لعب، حيوانات محشوة، ومقتنيات رثة مجمعة في مكعبات بطول 50 سنتيمتراً تشبه محتويات صناديق الكرتون غير المرئية، كان 140 مكعباً ملصقاً لصنع غرفة خاصة صغيرة، وإذا كنت قد ذهبت إلى مطار دولي فربما رأيت مسافرين من أفريقيا وأميريكا اللاتينية أو من جنوب شرق آسيا يحملون صرراً ثقيلة شبيهة بذلك، فهناك دائماً ما يُرثى له من تلك المناظر، لأن أولئك الناس يبدون وكأنهم يحملون كل ما يملكونه، وهي أشياء بسيطة.

يميز دولوز بين المهاجرين الذين ينتقلون من أراض مسيطر عليها إلى أخرى، و"الرُّحَّل" الذين يتجولون وهم في حالة دائمة من عدم الاستقرار في بلد واحد. ألا يمثل العمال الفيليبيون العاملين في الخارج حالة “الترحال” في ظل الرأسمالية العالمية؟ إن أكبر صادرات الفليبين هي في الحقيقة الفليبينيون أنفسهم، إذ تشير التقديرات إلى أن  10% من تعداد السكان مسافرون إلى الخارج، ونسبة مماثلة من الناتج الإجمالي المحلي للبلد هو حصيلة ما يحولونه من الخارج إلى الفليبين. كثيرون سيعملون في الخارج عدة سنوات إلى أن تجبرهم قوانين الهجرة على المغادرة، وإذا كانت قد انقرضت خيام السهوب الأسيوية فهناك الآن بديل يعادلها في الأمتعة المجمّعة للعمال المهاجرين، فحيثما مضت هذه الصرر فإنها تصبح علامات الرُّحَّل من الوطن.