المعرض الشامل للفنان الإيراني المولد سياه أرمجاني والمقيم في مينابوليس الأمريكية كانت قد أقامته باراسول يونت في لندن أواخر عام2013، وعرضت أعماله الكاملة في حدود صالة العرض المتواضعة الحجم، امتدت حياة أرمجاني الفنية أكثر من 5 عقود، وضمت العديد من الأعمال الهامة، لذلك كان المعرض تحدياً من حيث التنظيم، وتحقيقاً لتلك الغاية في (عالم مبتكر) تم اختيار مجموعة من الأعمال التي تعطي فكرة لرواد الصالة عن التنوع والتطورات والاهتمامات التي تجسد مسيرة أرمجاني الفنية، وقد ضم المعرض أيضاً تركيبات لأعماله الفنية، وهذا من دون شك أقل إثارة من تجربة مشاهدة الأعمال ذاتها، فكان على الأقل بمثابة كتالوغ ثمين لفهم اللغة الفنية الخاصة بأعمال أرمجاني، والسياقات الاجتماعية لتلك الأعمال.
للتعبير عن اهتمام الفنان بالأدب الغربي وشعره، وتجسيداً لروح شبابه في طهران، واهتمامه ومحبته للهندسة المعمارية الأمريكية؛ فقد عرضت في الطابق الأول من باراسول يونت أعمالٌ دمج فيها الفنان تلك الإيحاءات بنقاءٍ دقيق وأسلوبٍ تطبيقي، وضم المعرض تشكيلة مرحة من أعمال من الحجم المتوسط إلى الحجم الكبير، وشمل تركيبات، ومرآة معلقة، وأقلام رصاص ملونة للرسم، وقد سلطت تلك المجموعة الضوء على استخدام الفنان الجريء والقوي للون في أشكاله هندسية، وبالنظر إجمالاً نجد أن الأعمال قد أبرزت توحيداً معيناً للقياس في الشكل واللمسات الأخيرة التي تعطي أعمال أرمجاني كلها هوية موحدة، إذ تبدو الألوان التي يستعملها غالباً أليفة أو صناعية، وتبدو نسبة الخشب مسبقة الصنع أكثر مما تبدو حرفية، والتركيبات قوية وعملية مع تزيينات بالحد الأدنى، إنها جمالية مكثفة قليلاً، لكنها تثير اندماجاً معرفياً معمقاً من المشاهد، وعلى الرغم من المظهر العملي لأعماله؛ إلا أن هناك دائماً شيء غير مريح بشكل كامل في تناسبها، فالشكل لا يتفق تماماً مع الوظيفة.
ويحتل المعرض أيضاً الطابق العلوي، إذ عرضت نماذج من المشاريع الفنية الأولى لأرمجاني، مثل عمل النسيج المعلق (قميص # 2)/ 1960، ولوحة (صلاة)/ 1962؛ اللذين يشيران إلى خلفيته الإيرانية من خلال استعمال الكتابة الفارسية التي تغطي العملين، وهناك أيضاً في الطابق الأول أهم عمل في ذلك المعرض، وهي مجموعة مكونة من 68 نموذجاً معمارياً أنجزها بين عامي 1970 و2007؛ معروضة على سلسلة من الطاولات الطويلة، والعرض يدعو المتفرج للاقتراب أكثر من العمل، وللاستمتاع بتفاصيل كل نموذج، فالنماذج شكلت حركة منهج تفكير أرمجاني، مبرزة انتقاله من الفن الجميل إلى الهندسة المعمارية والجدية لأسلوبه المعماري الذي طوره في أعماله.
عودة للطابق الأرضي هناك عمل (غرفة قراءة ألفريد وايتهيد)/ 2013؛ الذي عرض خارج بناء الصالة في فناء الحديقة الأمامية، وقدم فرصة للتفاعل مع عمل أرمجاني كما لو كان عملاً مخصصاً لمكان عام، وبوحي من الفيلسوف وعالم الرياضيات البريطاني ألفرد نورث وايتهيد احتضنت التركيبات الزرقاء نسخاً من كتب وايتهيد، وأيضاً أقلام رصاص وورق، وشجعت المتفرج ليتواصل معها بشكل فعلي، ويتأمل معاني عمله، وكانت هناك أيضاً أكوام من المنشورات تستشهد بمقتبسات من مقالة وايتهيد (أهداف التعليم)/ 1916، أي أن الأفكار النظرية يجب أن تجد دائماً تطبيقات في منهاج الطالب الدراسي، وتلك ليست عقيدة يسهل تطبيقها، إنها شاقة للغاية، (تكمن في داخلها مشكلة الحفاظ على المعرفة حية، ومنعها من أن تصبح جامدة، حيث هذه هي المشكلة المركزية في التعليم). هذا الاقتباس يتردد صداه في المحاولة الفنية الخاصة بأرمجاني، حيث تبحث في بيان كيف يمكن أن تطبق الأفكار النظرية وتبقى منتعشة عبر الفن.
وإلى جانب ذلك وكنقيض لـ(غرفة القراءة) توجد (غرفة قراءة إدغار ألن بو)/ 2007/ 2008؛ بذات الحجم والبنيان، فتلك التركيبات السوداء والبيضاء تشمل أشياء منزلية هي سرير ومكتب، إلا أنها مغلقة بجدران من الزجاج تسد المدخل، وإن عرض العملين التركيبيين معاً يجسد توتراً معيناً بين البحث الجماعي اليوتوبي وفعالية العمل الفني والتجربة الإبداعية الذاتية للفنان، فالجمال والكآبة يغلفان تجربة أرمجاني، ويقدمان نظرة خاطفة على العالم الذي كرس ذاته لبنائه خلال حياته.