P
R
E
V
N
E
X
T

Portrait of Taus Makhacheva. Photo by Shamil Gadzhidadaev. Courtesy the artist.

Her Dagestan

Taus Makhacheva

Russia
Also available in:  Chinese  English

في فيلم تاوس ماخاتشيفا القصير (المشي)/ 2010؛ (مدته 3 دقائق) ثمة جرف صخري مسنن يتعرج عبر إطار الشاشة، محدداً منظور الفيلم، وثلاث نقاط تحدد التخوم بين الأرض الترابية اللون والسماء الزرقاء المشرقة، وشخص بالكاد يظهر في الشاشة يمشي بوتيرة منتظمة، ويشطر الصورة، والشخص ذاته يظهر في عمل آخر هو (إنديفاور)/ 2001؛ وقد تم تصور الفيلمين في ذات اليوم، وفي الفيلم ذاته الشخص يدفع بكل قوته منذ قرون جلموداً صخرياً معلقاً فوق قرية داغستان تسادا، وهو عمل رومانطيقي وجودي أنجزته بإحكام فنانةٌ بعينٍ ثابتة على وطنها الأصلي، وعلى التغيرات التي حصلت هناك خلال العقد الماضي.      

الآن وبعيداً عن منخفضات داغستان ومرتفعاتها الجغرافية – جبالها وتلالها ووديانها -؛ فإن أعمال ماخاتشيفا تنظر أيضاً إلى البنية الخاصة للمجتمع القوقازي، والعملان المذكوران أعلاه ينتقدان الصورة التي طالما ارتبطت بمنطقة القوقاز، حيث الشخص المتوحد في الجبال كممثل للوجود الإنساني المتعايش مع قوى الطبيعة، لكن رغم التركيز على المناظر في معظم أعمالها؛ فإن ماخاتشيفا تشرح أن فيلميها يشيران أكثر إلى (أننا لم نعد نتواصل مع الطبيعة)، وهنا تكمن الإثارة في أعمال ماخاتشيفا كفنانة تركز انتباهها على إضاءة الأشياء التي غالباً ما نغفل عنها، وهدف ماخاتشيفا كشف الغطاء عن البعدين التاريخي والثقافي، وفوق ذلك كله البعد الإنساني الذي يشكل العالم من حولنا. 

لأن جد ماخاتشيفا كان رسول حمزاتوف – أكثر شعراء داغستان شهرة وابن حمزة تساداسا الشاعر الأوراسي السوفييتي البارز – فقد كان لذلك تأثير حتمي على عملها، كما تأثّر فنها بهويتها الداغستانية الروسية المزدوجة، ودراستها في الغرب، فقد تخرجت ماخاتشيفا بدرجة بكالوريوس في الفنون الجميلة في جامعة غولدسميث عام 2007، ودرست في موسكو  في معهد موسكو للفنون المعاصرة 2009، وأكملت دراسة الماجسير في المعهد الملكي للفنون في لندن، وهذه الخلفية الثقافية بلا شك ألهمت وقاربت محاولتيها في التوفيق بين المعاصرة والحنين إلى الوطن، بين المحلية والعالمية، وإذ تعترف الفنانة وتقول: (عندي هذه الفكرة الرومانسية بأن أعمل في سياقي، جغرافياً أو ثقافياً).

من أسلافها تلاحظ أن: (كان لديهم حساً فكاهياً انتقادياً لكل يوم من الحياة اليومية، وهذه هي الطريقة التي ساعدوا بها المجتمع ليتغير بذاته، وربما لينظر إلى ذاته)، ثم تضيف: (آمل أنّي أعمل ذات الشيء، لكن بوسائط مختلفة). حقيقةً إن ماخاتشيفا تشترك معهم في حس الفكاهة والنقد، وهو ما يتضح في فيلمها (مكان الاحتفال)/ 2009، حيث ألبست شخصية (مثل يقطينة ضخمة مفككة) كما وصفتها ماخاتشيفا، أُدخلت إلى قاعة الطعام لتظهر من بين الكراسي وخلف الطاولات، وتتدحرج على الأرض مثل سلحفاة انقلبت على ظهرها، وفي هذا العمل تبحث الفنانة بهدوء في الطرائق التي تجعل الطقوس الاجتماعية تصبح غريبة.

لكن ورغم النقد إلا أن هناك حرارة واضحة في أعمال ماخاتشيفا، ففيها تستحضر روح كتاب جدها النثري الشهير (داغستان بلدي)/ 1968. وتشبه أعمال ماخاتشيفا رسالة حب لجذورها الثقافية: (الموضوع الذي أعمل عليه أعرفه مثل داغستان)، وتكمل ماخاتشيفا: (أجسّد المكان الذي جئت منه)، وهذا موضّح في فيلم محدد هو (السجادة)/ 2006؛ إذ لفّت ماخاتشيفا جسدها بسجادة داغستانية تقليدية لتصبح منسجمة تماماً مع محيطها.

من خلال مثل هذا التضمين تجسد ماخاتشيفا التوتر بين التقليد والتقدم، ففي عملها (ريخين)/ 2009؛ المصوّر بين قرى جبل تسادا وأخالتشي شخص يمشي عبر السهل متخفياً بمعطف تيمغ – الطويل المصنوع من جلد الغنم ويرتديه الرعاة عادة – وهو محدودب الظهر، يجر جسده إلى أن ينهار وسط قطيع الغنم. هذا العمل كناية عن تأثير المعاصرة على الثقافة المحلية، ومرة أخرى تفضح الفنانة التفاوت بين الماضي والحاضر كما فعلت في أعمالها التي تضمنت المناظر الطبيعية، لكن تسليط الضوء على مثل تلك القطيعة ليس هو الهدف أبداً، إذ أن أغلبية أعمال ماخاتشيفا تدور حول إعادة الروابط التي قُطعت أو نُسيت أو تم التغاضي عنها.   

فيلم ماخاتشيفا (غامستل)/ 2001؛ يظهر قرية جبلية قديمة مهجورة تعرضت في الخمسينيات إلى إعادة توزيع سكانها الذين نقلوا إلى مزارع جماعية، وفي الفيلم رجل يحصل على عدة لقطات مأخوذة مباشرة من جنود في لوحات عن حرب القوقاز رسمها الفنان الروسي فرانز راوبود (1856/1928)، وهي معلقة في متحف داغستان غامزاتوفا للفنون الجميلة في ماخاتشكالا، وبالإضافة إلى ذلك فقد استعارت خطوات من (رقصة قائد لواء المزرعة الجماعية) التي تعود إلى الثلاثينيات من شمال أوسيتيا وتدمج الحركات الشعبية مع عناصر اجتماعية سوفييتية.

وبالإجمال؛ فإن الأفكار في أعمال ماخاتشيفا سلسة، وهذا يتجسد في عملها التركيبي ذو الشاشات الثلاث (دعني أكن جزءاً من السرد)/ 2012؛ والفيلم الأول الوثائقي السوفييتي يظهر اللاعب الأولمبي علي علييف المصارع الداغستاني في أشكال كلاسيكية، أي منحوتات وآثار ومراسيم الشعلة الأولمبية، فيما تعرض ماخاتشيفا على الشاشات المقابلة لقطات من (بطولة مصارعة الكلاب الداغستانية)، وفيها مقابلات مع الملّاك تظهر كيف يتم اختيار المتسابقين، وتربيتهم وتدريبهم، كما تمت مقابلة السيدة الوحيدة المشاركة في السباق أيضاً، وهي تعرف غرابة وجودها في مكان تسيطر عليه هرمونات تستوستيرون الذكرية. من هذه السرديات المتداخلة تلامس ماخاتشيفا مواضيع التجنيس، والمنافسة والعنف السلبي أو عن طريق وسيط، ناهيك عن المسحة العدوانية المتضمنة في المناسبات العالمية مثل ألعاب الأولمبياد. هكذا من السياق المحلي تبرز أعمالها الحقائق كلية.

فيلم ماخاتشيفا الأخير والأكثر مشاهدة (القصة تطالب أن تكتمل) كان نوعاً من التقديم، وقد عرض في صالة عرض اتحاد فناني مخاتشاكالا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وكان لحظة هامة للفنانة فيما يخص تراث جدها ووالد جدها، والأعمال التي تراوحت من الفيلم إلى النحت تضيء الفروق الدقيقة في الثقافة الداغستانية المعاصرة والمشهد الاجتماعي، مقابل ذات الواقع الذي تحدده، أي تأملاتها عن داغستان الموجهة إلى داغستان، وقد كانت لحظة هامة أيضاً، إذ قدمت لغة ووسائط إعلام من الفن المعاصر إلى مشهد محلي لم يحتضن بعد بالكامل وسائط مثل الفيديو كشكل فني مقبول. وإجمالاً كان العرض ناجحاً.

ليلة الافتتاح نظمت ماخاتشيفا عرضاً بعنوان (معرض!)/ 2013؛ إذ وقفت خارجه بائعتا السمك زيرا شاخبانوفا وإلميرا كازانوفا وهما تناديان بصوت عالٍ: (معرض)؛ بدلاً من عادتهما بالنداء: سمك طازج، وهما تحثان كل من يمر على الدخول.    

في المسرحية دعوة موجودة في الكثير من عمل ماخاتشيفا، هي دعوة للمشاهدين كي يدخلوا عالم الفنانة، ويناقشوا آراءهم الشخصية الخاصة بأعمالها وموضوعاتها.

تأمل ماخاتشيفا أن تتمكن من خلال أعمالها الاستمرار  بتحقيق تأثير واسع في داغستان، وهي حالياً تشرف على تأسيس مدرسة فنون في ماخاتشكالا، وتكتب حول دورها كمديرة مدرسة: (إمكان التغيير الذي يأتي عندما أصنع عملاً ويراه الناس، وأفكر حول أشياء معينة، هذه هي أيضاً قصتي مع التعليم. أنا أرى إمكانات النمو). من ذلك نخلص إلى أننا نستطيع التقاط جوهر الرؤيا التقدمية للفنانة، أي أن الشيء يستطيع دائماً أن يتحول إلى شيء آخر.

TAUS MAKHACHEVA, Endeavour, 2010, still from HD video: 9 min. Courtesy the artist.

فيلم ماخاتشيفا غامستل (2001) يظهر قرية جبلية قديمة ومهجورة، وقد تعرضت في الخمسينات لإعادة التوزيع سكانها الذين نقلوا إلى مزارع جماعية. في العمل رجل يأخذ عدة لقطات مأخوذة مباشرة من جنود في لوحات عن حرب القوقاز رسمها الفنان الروسي فرانز راوبود ( 1856/1928) المعلقة في متحف داغستان غامزاتوفا للفنون الجميلة في ماخاتشكالا. وبالإضافة إلى ذلك فقد استعارت خطوات من “رقصة قائد لواء المزرعة الجماعية”، رقصة من الثلاثينات من شمال أوسيتيا تدمج الحركات الشعبية مع عناصر اجتماعية سوفياتية.

وبالإجمال، فإن الأفكار في أعمال ماخاتشيفا سلسة. وهذا يتجسد في عملها التركيبي ذو الشاشات الثلاث “دعني أكن جزءا من السرد” (2012). الفيلم الأول وثائقي سوفياتي عن اللاعب الأولمبي علي ألييف، وعن مصارع داغستاني في أشكال كلاسيكية:-منحوتات وآثار ومراسيم الشعلة الأولمبية. تعرض ماخاتشيفا على الشاشات المقابلة لقطات من" بطولة مقاتلة الكلاب الداغستانية". مقابلات مع المالكين تظهر كيف يتم اختيار المتسابقين، وتربيتهم وتدريبهم. والسيدة الوحيدة المشاركة في السباق تمت مقابلتها أيضا، وهي تعلم غرابة وجودها في مكان تسيطر عليه هرمونات تستوستيرون الذكرية. من هذه السرديات المتداخلة، تلامس ماخاتشيفا مواضيع التجنيس، المنافسة والعنف السلبي أو"عن طريق وسيط،" ناهيك عن المسحة العدوانية المتضمنة في المناسبات العالمية مثل ألعاب الأولمبياد. هكذا من السياق المحلي، تبرز أعمالها الحقائق كلية.

فيلم ماخاتشيفا الأخير والأكثر مشاهدة، " القصة تطالب أن تكتمل"، كان كنوع من التقديم. وقد عرض في صالة عرض اتحاد فناني مخاتشاكالا في تشرين الثاني الماضي، وكان لحظة هامة للفنانة فيما يخص تراث جدها، ووالد جدها. الأعمال التي تراوحت من الفيلم إلى النحت، تضيء الفروق الدقيقة في الثقافة الداغستانية المعاصرة، والمشهد الاجتماعي، مقابل نفس الواقع الذي تحدده: تأملاتها عن داغستان هي موجهة إلى داغستان. وقد كانت لحظة مهمة أيضا إذ قدمت لغة ووسائط إعلام من الفن المعاصر إلى مشهد محلي لم يحتضن بعد بالكامل وسائط مثل الفيديو كشكل فني مقبول. وبالإجمال، كان العرض ناجحا. في ليلة الافتتاح، نظمت ماخاتشيفا عرضا بعنوان “معرض!” (2013)، حيث وقفت خارج المعرض بائعتا السمك زيرا شاخبانوفا وإلميرا كازانوفا وهما تناديان بصوت عال: معرض؛ (بدلا من عادتهما بالنداء: سمك طازج)، حاثتين كل من يمر على الدخول.    

في المسرحية دعوة، موجودة في الكثير من عمل ماخاتشيفا: دعوة للمشاهدين ليدخلوا عالم الفنانة، ويناقشوا آراءهم الشخصية الخاصة بأعمالها، ومواضيعها.

تأمل ماخاتشيفا أن تستطيع أعملها أن تستمر في تحقيق تأثير واسع في داغستان. وهي حاليا تشرف على تأسيس مدرسة فنون في ماخاتشكالا. و تكتب حول دورها كمديرة مدرسة: “إمكانية التغيير التي تأتي عندما أصنع عملا، ويراه الناس، وأفكر حول أشياء معينة،  هذه هي أيضاً قصتي مع التعليم. أنا أرى إمكانيات النمو”. من هذا، نحن نستطيع التقاط جوهر الرؤيا التقدمية للفنانة:-وهي أن الشيء يستطيع دائما أن يتحول إلى شيء آخر.