صورة سمكة ذهبية جميلة مأكولٌ نصفها تعطي لـ(السابحون) صِبغته، وهو المعرض الفردي للفنان أنغكي بورباندونو في صالة ميزوما في سنغافورة، ويقدم الفنان الإندونيسي دزينتين من أعماله (scan art) التي أبدعها مع زملائه السجناء أثناء احتجازه 10 أشهر في سجن يوغياكارتا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012. بورباندونو ينتهج جمالية مستمدة من اللامعقول ومن الندم، الهشاشة في عمله (بعد حفلة) – كل الأعمال من عام 2013 – التي تظهر بقايا سمكة أليفة تعكس ارتباك الفنان الخاص وذهوله وقبوله الساخر لسجنه -.  

كمصور متدرب؛ أفضل ما يعرف به بورباندونو عمله (سكانوغرافي Scanography)، وتحت رعاية برامج الفن في السجن Prison Art Programs، وبمبادرة من الفنان ومساجين آخرين، منح بورباندونو الحق باستعمال مرافق السجن، والمعدات خلال احتجازه. وفي ميزوما أنتج صورعلى نطاق واسع خلال هذه "الإقامة"، حيث عرضت في إطارات معدنية بسيطة، مجمِّعاً عدداً ضخماً من إطارات الصور، كل صورة مضاءة سجّلت جانباً حزيناً من حياة أجلها السجن، بحيث أن حتى القمامة تصبح لها جاذبية معينة. بورباندونو معروف أيضاً بسبب حساسيته المرحة، وهو عادة يصنع كولّاجات ملتوية، وصوراً خاصة سوريالية عن أشياء ملتقطة، وتماثيل دمى بلاستيكية، أو عن الطعام، بحيث يكون كل عنصر مقيداً أو محرراً بسبب الآخر. في صورة سمكة قرش تسبح في خيوط من المعكرونة – على سبيل المثال- نجد سخرية خفيفة لها روح مرحة وإيجابية.

أُعيدت صياغة هذا العنصر من السخرية في (السابحون). يلاحظ بوربادونو أن تلك العلاقات مع زملاء السجن كانت مشوبة بـ(الخضوع، والكآبة، واليأس)، كما تعاكس صوره السكانوغرافية هذه الأفكار بمزيج لا يقاوم من الصراحة والتهكم المطبوع على حب الخير، ومع كل صورة كتب الفنان شرحاً مرافقاً مسلياً، ما أضفى سياقاً أعمق وأيضاً سخرية ذاتية. حمية السجن القاسية على “تيمبيه” – كعك فول الصويا المخمر – ألهمت عمله (الذهاب إلى البيت!)، برج فانتازي من الكعك الأصفر السام فوق دمية سيارة أرجوانية صغيرة، وعمل آخر  (وجبة خفيفة من عباد الشمس Sunflower Snack) تشير إلى أرخص وجبة خفيفة في السجن، وهي استعادة متواضعة للتركيب الجبلي لآي ويوي، وتتكون من مجموعة أنيقة من بذور عباد الشمس، تلك الوجبة – حسب شرح الفنان – (تحتوي صفراً بالمائة من المشكلات).

مثلما في أعماله الأولى؛ يؤسس بورباندونو أرشيفه بالاعتماد على الأشياء التي يعثر عليها، رغم أنه في (السابحون) لم يركز على الأشكال الأنيمية السطحية، أو على الثقافة الشعبية، بل على اللغة العامية البائسة التي تميز السجن، وهناك مجموعة من المطاطات متعددة الألوان، وكيس من كرات بينغ بونغ المهترئة، وأوراق ممزقة مأخوذة من أكياس الوجبات. (ملعقة السلام Spoon of Peace) هي ترتيب لقوس قزح من الملاعق البلاستيكية التالفة التي استخدم الفنان فراشي رسم عتيقة لوصلها بها وجعل مقابضها القصيرة طويلة. و(الواقي الذكري والأرض Condom & Earth) هو موكب مرح لواقيات مبهرجة مملوءة بتراب، ومن كل واحد تتبرعم نبتة خضراء، وقد علمنا من تعليق بورباندونو المضحك أن 300 رجل في السجن (لن ييأسوا) حتى يلم شملهم مع نسائهم، والعمل (جاف تماماً Absolut Dry) هو عبارة عن خليط من أكثر من دزينة من أشكال قناني الفودكا مصبوبة من مخلفات الأرز اليابس التي تم الحصول عليها من مطبخ السجن: كل واحد يشبه كنزاً مرجانياً.

إبداع بورباندونو الارتجالي ليس باستخدام المهملات فقط، بل أيضاً باستخدام الممتلكات الشخصية للسجناء، بما فيه رسائل الحب، والدمى المصنعة يدوياً، ولقالق الورق، حيث يضعها ويرتبها بطريقة تجعلها تتحدث عن الاستسلام، الذكريات أو الأمل. تركيب إطار النيون (ساندالس يوناتيد Sandals United) هو نسخة محولة من عمله من 2012 (محبو التلفاز TV Lovers)، حيث يحتوي على جدار من الصور التلفزيونية المجانية التي التقطت على مدى عام. و(صنادل Sandals) هو عمل يجمع 40 صندلاً مطاطياً، وكل زوج من أحذية السجن النظامية مميز ببعض الخربشات أو الرسومات الشخصية، وبدلاً من كونها من زي السجن؛ حوّلها السجناء إلى هوية شخصية، وأعطوها لمساتهم الذاتية، وتملأ تلك الصنادل جدار صالة عرض ميزوما بألوانها الزرقاء والخضراء الباهتة.

قال بورباندونو إنه كان في الماضي يبحث أولاً عن الجماليات البصرية، وبعدها يسمح للفكرة بالظهور، وخلال انغماسه الطويل في مسألة الهوية غير المستقرة؛ فإن القيود الجمالية المقلقة في السجن هي التي شكلت ذلك التوجه الإبداعي، وعلى الرغم من ذلك يرى بورباندونو في هذه القيود قيمة متواضعة، وهكذا يلطّف حدة المجاز في (السابحون) بنفاذ بصيرة، وقدر بسيط من السلاسة.