يمكن أن تكون الرغبة شيطانية، مليئة بالنزوات.. بينالي سيدني الـ19 برعاية جوليانا إنغبيرغ المديرة الفنية لمركز ملبورن الأسترالي للفن المعاصر؛ جاء بعنوان: (أنت تتخيل ما ترغب فيه)، وقد تم التعبير عن تلك الرغبة بصيغة الفضولي والخيالي والمشبع بالرغبات، مثل الفنان تشارلز رايدر في (باب واطئ في الجدار) عن رواية إيفلين وو (Brideshead Revisited) التي طبعت للمرة الأولى عام 1945، وقد كان البينالي التجريبي بمثابة حديقة مسحورة مسورة بأبنية وبأماكن صناعية.

هذا على ما كان يبدو عليه الحال لأكثر الأعمال اللافتة للانتباه في البينالي، فهناك عمل كريستين سترولي (Gradually real)/ 2014؛ إذ خلقت غرفة منقولة طبق الأصل من الموديل الذي أصبح الغرفة ذاتها لاحقاً، وعلى جدران الورق المقوى وضعت عدة أقدام بعيدة عن نظيراتها الأصلية، والتفاصيل في الأخيرة كانت مكررة بعناية؛ أبواب، نوافذ، إشارات مخرج، وقطع آجر مائلة، وقد شُجع المشاهدون على اجتياز ممر ضيق بين التركيبات الملتوية والغرفة المأهولة وكأنه الهامش الدقيق بين الأصالة والإبداع.

في الصدارة تنتصب قطعة أخرى بارتفاع 12 متراً (أنا النهر)/ 2012؛ لإيفا كوتش، وهي صورة شلال موضوعة في قاعة توربينات مهجورة في جزيرة كوكاتو المكان الرئيس للبينالي، والعمل يملأ المكان الفارغ بالضوء والحركة والصوت، باعثاً اندفاعة أدرينالين ساحقة لمكان يسكنه سكون قاتل.

إلى جوار ذلك قرية دانماركية تعود إلى القرون الوسطى بُعثت فيها الحياة بأبنية صغيرة الحجم، والعمل الفني (القرية)/ 2014؛ للفنانَين راندي وكاترين يستحضر مملكة حكايات أسطورية منسية عن الجن، والبيوت والأشياء الناطقة.

مكان العرض أعطى القرية قوة على الإقناع التي ربما لا تملكها، إذ أن وضعها وسط منظر الآلات المهجورة والمعدات الصدئة يُظهر التركيب وكأنه يقترح صورة الطفولة الرقيقة، وهي صورة ومشاعر يفتتها ويسخفها  رياء الترفيه الرقمي. في مكان آخر من متحف أستراليا للفن المعاصر يغمر معرض (Mercy Garden Retour Skin)/ 2014؛ للفنان بيبيلوتي ريست الأحاسيس والجسد في غرفة مظلمة، ويدعو المشاهدين ليتركوا الحياة اليومية وراءهم، ويغرقوا في وسائد أرضية ريانة، ويواكبوا الأشكال المائية التي تتناهى عبر جدران المتحف على لحن كريس إسحق.

ما طغى على بينالي هذا العام الجدل الذي أحاط بمشاركة ترانسفيلد وعائلة بيلغيورنو نيتيس، وذلك احتجاجاً على ارتباطاته بترانسفيلد التي تدير مراكز اعتقال طالبي اللجوء الأسترالية في الخارج، حيث انسحب 10 فنانين من المهرجان قبل شهر من افتتاحه في آذار/ مارس, عاد 8 منهم بعد استقالة لوكا بيلغيورنو من رئاسة الشركة، وبينت تلك الضجة نوعاً ما ولسوء الحظ قصر نظر رؤية إنغبيرغ للبينالي. في الوقت ذاته تقريباً حصل شغب في مركز اعتقال جزيرة مانوس أسفر عن ضحية واحدة، وعشرات الجرحى، وفي ضوء ذلك بدا البينالي ووعوده بالمرح وبالشلالات العملاقة وبقرى القرون الوسطى بعيد الصلة عن الواقع في أحسن تقدير، وغير مبالٍ بالتقدير الأسوأ.

غطت الأعمال الضخمة على أهمية الأعمال الأصغر التي قدمت مساهمات سياسية ومشاركات تستحق اهتماماً أكبر، مثل أعمال ليبيا كاسترو، وقطعة أولافور أولافسون #6 lobosbocoBosbo (رحيل -  عبور -  وصول)/2014؛ التي تتألف من مقابلات مسجلة مع لاجئين كجزء لا يتجزأ من الشكل الغريب، وقد تم تشجيع الزائرين للجلوس عليه والاستماع إلى تلك المقابلات، فيما يشبه سيلاناً متحولاً، أو نباتات غريبة الشكل، والتناقض الهائل في ذلك الشكل الغريب بات بياناً سياسياً بحد ذاته، معلناً معارضة عبر تنافره (كاسترو وأولافسون من الفنانين الذين انسحبوا ثم عادوا لاحقاً)، وشملت الأعمال الأخرى المؤثرة عمل سونيا ليبير (هذا قبل أن نختفي عن النظر)/ 2014، وتركيباً صوتياً لأكثر من 100 صوت لديفيد تشيسوورث يستكشف تواريخ الاعتقال والسجن، وعمل ميكائيل كوك (Majority Rule)/ 2014؛ سلسلة الصور الفوتوغرافية بالأبيض والأسود التي كررت صور رجل من السكان الأصليين، ملمحة إلى القضايا المعاصرة التي يعاني منها السكان الأصليون الأستراليون.    

ربما واحدة من المنشآت القائمة على النص والتي قدمها ناثان كولي لتتناسب مع البينالي؛ قد جسدت الرغبة بشكل أكثر مباشرة، فالعمل المنصوب على طرف جزيرة كوكاتو شرقي أربون يحدق في السطح المشمس الأرقط لنهر باراماتا، وهو يتألف من لافتة وحيدة عليها عبارة: (أنت تبدع ما تريد).. تماماً هكذا، بالفعل.