مع حلول شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس يتحرك محررو آرت أسيا باسيفيك جنباً إلى جنب في هذين الشهرين اللطيفين الرائعين، منجزين معظم تلك الوتيرة المتئدة، فهذا الإصدار ينظر إلى الماضي في بعض الشخصيات الفنية الهامة، والحركات في آسيا بعد الحرب العالمية الثانية، تلك المرحلة التي شهدت ظهور ممارسات فنية بديلة، فضلاً عن الكثير من اللغة البصرية التي نسلم بها اليوم.
من القصص التي غطيناها (ما وراء الأبيض: قراءة تانسايخوا اليوم) التي أجراها روبرت ليليس، حيث يقدم الحركة المثيرة للجدل المرتبطة بجماعة رسامين من كوريا الجنوبية نشطت أواخر الستينيات، فيستكشف ليليس فن تانسايخوا (الرسم أحادي اللون) بزيارته مرة أخرى واحداً من أوائل معارض الجماعة في الخارج بعنوان (5 رسامين كوريين، 5 أنواع من الأبيض) الذي أقيم عام 1975 في صالة طوكيو باليابان، ويناقش ليليس العمل الذي قدمه الفنانون، والأهمية الثقافية لأسلوبهم المتميز أعقاب الاحتلال الياباني لكوريا (1910- 1945)، والحرب الكورية (1950- 1953).
من لندن تقابل ستيفاني بيلي الفنان الباكستاني المولد رشيد أراين. بروحٍ رائدة بدأ أواخر الستينيات باكورة الفن التبسيطي، وفيما بعد انتقد بحدة لاذعة الهيمنة الغربية على الفنون والعلوم الاجتماعية في أوروبا، وبعد تدفق نصوص خلال أعوام عديدة من قبل أراين وعنه، وإجراء أحاديث طويلة وصريحة معه في منزله؛ كتبت بيلي حول باكورة منحوتاته: (كان أراين يبحث عن شكل لغة أكثر حرية يمكن أن تعبر عن روح العصور كما يراها- وذلك عام 1968، وعن الحدود الهرمية التي يراها في داخلها: كسر في بنية رسمية وصفها كحركة انتقال من الهرمية إلى التسوية).
في نظرة إلى الماضي مؤثرة وموجعة؛ الفنان التايلاندي ـ الهندي نافين راوانشايكول يكتب رسالة أضحت جزءاً من المعرض الجماعي (أواصر روحية)، وهو بمثابة تحية واحتفاء بالفنان مونتين بونما الذي توفي عام 2000، وتصادف هذه الرسالة ذكرى الميلاد الـ60 للراحل مونتين. عنوان العمل/ الرسالة (الغالي مونيتن)/ 2013؛ والتي نسردها كاملة في عدد مجلتنا هذا، حيث تصف الرسالة الفن التايلاندي في العقد الذي تلا وفاة مونتين، وتتطرق إلى تأثير مونتين على المشهد الفني كمعلم وفنان وصديق ترك أثراً بالغاً على الفن، وخاصة من خلال نظرته للفن ودوره السياسي والاجتماعي والروحي، والتوجه الذي قارب بين ما هو محلي، واستمد مواده من الحياة اليومية ليسبر موضوعات تبدأ بانخراط تايلاند بالتصنيع وتنتهي بالأفكار البوذية عن البقاء والفناء.
وأيضاً بالعودة إلى الماضي؛ اخترنا فنان هونغ كونغ لام تونغ بانغ مبدعُ (ما يختفي) لعمودنا الخاص بالشخصية من ضمن مجموعة بيرغر، والمستوحى من عمل فني يعود إلى عام 2013 عنوانه (غوست – ديسابيرينغ هونغ كونغ آرت 1: التسعينيات) للفنان كورت شان، وهو مشروع مستمر أدارته وأنتجته مجموعة بيرغر لمعرضها (أظن أنها تمطر)/ 2013؛ وهنا يوسع لام السلسلة إذ يستكشف أعمال هونغ كونغ، وخاصة تركيبات مؤقتة من فترة التسعينيات، تحمل فقط ذكريات باهتة بشكل شرائح ورسوم توضيحية مصورة.
في بابنا (بروفايل) للفنانين والمقتنين؛ ننظر في سيرة المقتني الأسترالي جين شيرمان، والمصور الفوتوغرافي الهندي أنوب ماثيو توماس. أما المساهم الضيف لهذا العدد فهو تارو ماسوشيو، حيث يقابل الممثل المتجول الفنان إي أراكاوا مباشرة من مشروعه التعاوني التفاعلي (حضور هاواي) لـبينالي ويتني 2014، فيما تتحدث المحررة المشاركة إيزابيلا إي. هيوز مع الفنان العراقي المقيم في الدوحة محمود عبيدي حول تصوره للوطن.
وفي باب (مقالات) حضرت المحررة المساعدة سيلفيا تساي في مؤسسة الشارقة للفنون اجتماع آذار/ مارس السنوي، وتابعت برنامج ندوة حول كيف يمكن للفنانين بناء المجتمعات والوعي الاجتماعي عن طريق ممارساتهم، وفي عمل مشابه سافرت المحررة المساعدة مينغ لين إلى الصين لتعاين مشروع (العاطفة الاجتماعية) في شركة التكنولوجيا العالية بيرنارد كونترولس، ويشجع المشروع الفنانين والمصممين والموسيقيين والمبدعين كي يقدموا نشاطاتهم في مبناها في بكين، حيث (أداة التعبير هي العلاقات)، وفي ختام هذا الباب يتأمل المحرر الإداري جون جيرفيس في تطور المشهد الفني في هونغ كونغ من خلال معرض صالة هانارت تي زد في ذكراها الـ30 (الخصوصيات) الذي عرض 100 عمل من المجموعة الشخصية للمالك شانغ تسونغ زانغ من بينها مقترحات بألوان مائية لنُصب بكين تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وأبطال الشعوب، وأعمال فيديو فنية من القرن الماضي.
في باب (وجه لوجه) يعرض فنان هونغ كونغ لي كيت – الذي يصعب تصنيفه – بعض الملاحظات حول هاجسه بشخصية غامضة اسمها جوني الذي يبدو أنه في كل مكان، وليس في مكان محدد، حتى في أحلام الفنان، وفي باب (حيث أعمل) سافرنا إلى دبي لنزور المكان الحيوي الذي هو عبارة عن منزل ومرسم لثلاثة فنانين هم: رامين هايريزاده، وركني هايريزاده، وحسام رحمانيان. في حين تأخذنا مقالة (إيفاد) إلى مدينة هوتشي مِنّه ليوضح روبين ليونغ محرر مكتبنا الجديد الحلقات المتكررة للمشهد الفني التي تتدرج من التفاؤل إلى خيبة الأمل، من السوق الاشتراكي (دوي موي) إلى أكثر الإصلاحات الاقتصادية الاجتماعية في الوقت الحاضر التي تجبر الفنانين المحليين والأجانب وفيتناميي الخارج على مواجهة وعلاج تاريخ ما قبل الاستعمار وما بعده، وابتكار شيء مستدام للمستقبل. وفي مقالة (ما بين السطور) يتطرق محامي الفن سيرجيو مينوز سارمينتو بمرحٍ إلى سؤال عن الأسباب التي تدفع الفنانين لتدمير أعمالهم أو تخريبها، وإذا كان ممكناً تفسير أعمال التخريب على أنه نوع من “الفن”.
أتوقف برهة في حر الصيف لأفكر في الفن والفنانين من الماضي القريب، ولأتأمل في أفكار الفناء والاستمرارية، هذا يوفر لنا فرصة لنتجدد، ولنتأمل قبل بداية الفصل المنعش القادم الذي سيغرقنا بمشاريع جديدة، وبأفكار ومزاجات جديدة العقل.