هذا العام يوم توحيد فيتنام، 30 نيسان/ أبريل ميّز 39 عاماً، أي منذ استيلاء القوات الشمالية على سايغون عام 1975، وقد قاد ذلك الحدث الأعوام التالية إلى اندماج الشمال والجنوب، وإلى اختيار اسم مدينة هوتشي مِنّه، وخلال عقد من الزمن عُرف الإصلاح الاقتصادي باسم (دوي موي) أي التجديد، حيث افتتح في العاصمة هانوي مرحلة مبشرة للفنانين، مشجِّعة نقد الواقعية الاشتراكية على النمط السوفييتي، والتي كانت سائدة في مدارس الفن، وللأسف فإن تلك الحريات قد ثبتت فترة قصيرة، في حين تلاشت رابطة الحركة الفنية مع (دوي موي).
هذه الأيام – وعلى أي حال – هناك إشارات مشجعة للفنانين في مدينة هوتشي مِنّه، فقد أعلنت اللجنة الشعبية- المجلس التنفيذي للمدينة- قبل مدة قصيرة من عيد التوحيد أنها ستستثمر في خطة تنمية على مدى 10 أعوام 477 بليون دولار، تضمنت بناء نظام ميترو. لكن هل الفنانون في أكبر المدن الفيتنامية جاهزون للاشتراك في مثل تلك الإصلاحات الاقتصادية الاجتماعية البعيدة المدى؟ وهل يستطيعون التغلب على المعوقات السياسية خلال العقد القادم، وهو ما لم يستطعه فنانو فترة دوي موي؟
منذ عهد قريب؛ ثمة مجموعات من الفنانين الشباب والكبار، محليون وأجانب ومن فيتناميي الخارج، اتحدت لإنتاج ثقافة وتفسيرات اجتماعية وسياسية تعالج الذاكرة التاريخية والخسائر والفروق الثقافية والحياة الحضرية والسلطة والتمرد. إن فنانين مثل دينه كيو لي، تيفاني تشانغ، نغيوين مانه هانغ، حققوا حضوراً عالمياً، لكن جهودهم في معالجة الموضوعات المعقدة تواجه تحدياً في قدرىتها على خلق تأثير في سياق التطور السريع للمدينة، وهذا الوضع يتفاقم بسبب الافتقار لأي متحف مخصص للفن المعاصر، وللتعليم الرسمي لتاريخ الفن المعاصر في المدارس والجامعات، وكذلك لندرة أرشيف الدراسات الأنثروبولوجية لثقافة القرن الـ20.
ونظراً لتلك الفجوات؛ فإن الفنانين هذه الأيام يعملون مثل"عمال ثقافة"، فيروِّجون ويتحدَّون الأفكار، ويؤرشفون القصص الممنوعة المفقودة، ويسبرون المجتمع، ويسنون قوانين التغيير الاجتماعي، وبطريقة أكثر ما تذكرنا بمشاهد الفن في بكين وشنغهاي وغوانغ تشو في العقود السابقة، حيث شكلوا تجمعات تنظم ورش عمل وأعمالاً إبداعية ومعارض مشتركة، ما يتيح لهم أن يتعاونوا بطريقة لم تكن متاحة من قبل، فعلى سبيل المثال في شباط/ فبراير شكل 8 فنانين يقيمون في المدينة مجموعة من أجل عمل عنوانه (تصاميم الرقص الفوضوي) في كاري دو آرت في مدينة نيم الفرنسية ليقدموا تصورات متعددة لاستعمار فيتنام وتاريخها.
وعلاوة على ذلك؛ في العام الماضي عمّقت مساحة (سان آرت) المستقلة – الموجودة شرق مركز المدينة – تأثيرها الثقافي بنشاط جماعي هو (آرت ليبور) العلمي والفني، والذي أقيم بإشراف الفنانين فان ثاو نغيوين، تريونغ كونغ، والقيّم أرليت كوينه أنه تران، حيث دمج (آرت ليبور) الفنون البصرية مع العلوم الحية، وذلك باستضافة ورش عمل تعليمية، ومن بين البرامج التي كانت هناك برنامج (حقائق واعية) الذي يبحث بصورة مشتركة تواريخ الثقافة في المنطقة من خلال برنامج محاضرين ضيوف، وفنانين مقيمين.
مواقع فنية صغيرة ومشاريع جماعية تنبثق وتصنف ذاتها كشركات تصميم، أو كمنظمات غير ربحية؛ للتحايل على رقابة أو رشوة وزارة الثقافة، وما تزال تنتشر قصص عن فنانين لوحقوا، أو استجوبوا من قبل الشرطة، وفي العديد من القصص مارست الوزارة انتهاكات من أجل تخريب معارض، مثل معرض فان كوانغ النقدي الاجتماعي (سبيس- ليميت) في سان آرت العام الماضي، إذ تمت الموافقة على إقامة معرضين فقط من أصل 9 معارض.
لوقت طويل كانت صالة كوينه في مركز المدينة الموقع التجاري الرئيس في المدينة، ثم توسعت العام الماضي بإقامة مركز ثانٍ في بناء يعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي بالقرب من الحي المالي، وبزيادة عدد المعارض في كلا الموقعين، وقد احتفلت الصالة بالذكرى الـ9 لتأسيسها في نيسان/ أبريل مع معرض(عالٍ وتصاعدي)، وقد قدم العرض الطموح 17 فناناً هاماً من الساحة الفنية المعاصرة، من بينهم توان أندرو نغيوين، ليين تريونغ، وساندرين إل لاوغويت.
في أيار/ مايو أطلقت صالة كوينه من متحف الفنون الجميلة في مدينة هوتشي مِنّه المشروع غير الربحي (ساو لا)، والذي لا يقدم نظرة مختلفة عن روايات عقوبات الحكومة الأخيرة، بل يعطي إشارة بأن الفن المعاصر يلقى درجة من التسامح الرسمي، وما تزال الترتيبات في مرحلة التجهيز، لكن (ساو لا) يعمل كمنبر للأعمال المتفاعلة، وكموقع غير رسمي للفنانين الشباب كي يطوروا تجاربهم.
إن الأعمال التعاونية الجديدة والمبادرات تتابع محاولات التجريب كطريقة للحفاظ على المعرفة وزيادة الوعي في المجتمع الواسع، إلا أن هناك خطر حقيقي يكمن في أن الكثير من الأعمال الإبداعية ربما تتكشف عن تجريد نظري مفرط للمدينة يصعب على البنية التحتية في الفن احتضانها، وبالإضافة إلى ذلك فإن معظم الفنانين الشباب يحتضنون وسائل الإعلام غير التقليدية، لكن يحتاجون إلى مساعدة ليضمنوا أن أعمالاً كتلك ستجد صداها لدى المشاهدين، ولن تكون مهمشة من قبل الحكومة، أو الرقابة الذاتية.
إن الفنانين في مدينة هوتشي مِنّه لا يزالون يجمعون معاً الحقائق المعقدة لسياقات ما قبل وما بعد الاستعمار، مستخدمين ذلك كمواد خامّ، وبالتطلع إلى المستقبل؛ فهم يأملون في النهاية أن يوحدوا ماضي بلادهم وحاضرها، وأن يمثلوا فيتنام بطريقة لم يرها العالم الأوسع حتى الآن.