المعرض الاستعادي للفنان لي يوان تشيا (1929- 1994) في متحف تايبيه للفنون الجميلة الذي عرض فيه أكثر من 190 لوحة ووثيقة من مراحل إبداعه الأربع الرئيسة؛ كانت ملهمة للزوار من أمثالي، الذين أتيحت لهم من قبل فرصة نادرة كي يشاهدوا شخصياً أعماله الفنية. كان من الواضح أن المعرض هو نتاج بحث وعناية فائقين في العرض، وقد جسّد ذلك طموح فريق التنظيم في إعادة تقييم شامل لمسيرة لي.
ولد لي لعائلة مزارعة في غوانغشي جنوب الصين، وفي سن مبكرة من عمره تبناه خاله، ولأنه فقد خاله في الحرب الصينية اليابانية الثانية بين عامي 1937 و1945؛ فقد غادر الصين إلى تايوان عام 1949، ووصلها مع حزب كيومينتانغ كواحد من مجموعة الأيتام اللاجئين، وهناك درس لي الفن بصبر إلى جانب زملائه الطلبة عند معلمه لي تشون شان (1929-1994) أب الفن التجريدي في تايوان، وقد شكل عام 1956 مساعدة لمجموعة تون فان “Ton Fan” أو جماعة الفن الشرقي، وبعد انتقاله إلى إيطاليا مطلع الستينيات لم يعد لي أبداً إلى تايوان.
النصف الأول من معرض لي أعماله في تايبيه (1949- 1962)، وأعماله من حياته في بولونيا (1962- 1966)، وتجمع أعمال الفنان – التي اعتمدت الخط – بين التقليد الشرقي والفن التجريدي الغربي، وفي أعماله التي تعود إلى أواخر الخمسينيات بدأ لي بتطبيقات"النقاط" التي وصفها بأنها (بداية كل الأشياء ونهايتها)، وأصبحت شكلاً رمزياً مركزياً في عمله الفني.
في عام 1967 لاحظ الناقد الفني البريطاني جاي برت في مقالة نشرتها استوديو إنترناشونال أن (النقطة التي تمثل لي، ورحلته في الفراغ غالباً هي العزلة)، وفي بولونيا وتحت رعاية دينو غافينا صاحب شركة مفروشات حداثية؛ طور لي لوحات أحادية اللون بنقاط من 4 ألوان فقط على سطوحها، وساعد أيضاً في تشكيل مجموعة أخرى من الفنانين اسمها (النقطة)، ودمج اتجاهات الفن الأوروبي في تلك الفترة مع تطبيقاتها، وتدريجياً بلغت أعماله في نهاية المطاف حالة من البساطة مع سلسلة من اللوحات أحادية اللون بالأبيض، وهي تشكل الآن جزءاً من مجموعة متحف التيت في لندن، والموجودة ضمن المعرض الاستعادي في متحف تايبيه للفنون الجميلة.
اتبع المعرض الترتيب الزمني بشكل جيد، وقد تخللته في منتصفه نصوص على الجدار تغطي سيرة لي، ومقابلات مصورة مع أصدقاء الفنان، ومع أكاديميين، وبالتجهيز بهذا الفهم لقصة حياة لي كان الزوار مهيئين جيداً لدخول القسم الأخير من العرض الذي يشتكشف مرحلتيه: اللندنية (1966- 1968)، وأعماله من فترة إبداعه في كمبريا (1968- 1994).
في لندن عرض لي أولاً في صالة سيغنالس، ثم في صالة ليسون، وعرض فيه فناً جديداً يتضمن الجوانب الحركية والتشاركية، ومع ذروته كفنان انتقل إلى كمبريا في شمال غرب لندن، وهناك كرس ذاته لإعادة عرض مزرعة في متحف LYC، وصالة فن، وعلى مدى 10 أعوام استضاف المتحف العديد من المعارض والنشاطات، ومجموعة من الوثائق ذات الصلة، وعُرضت المنشورات في متحف تايبيه للفنون الجميلة؛ مظهرة مشاركة لي الوثيقة في أعمال المتحف، إلا أن إنتاج لي الفني خلال هذه الفترة كان قد قلّ؛ وكما كتب في أواخر ذلك الوقت: (لم أعد أرسم لأن كل ما أراه في العالم هو فن). هذا التطابق القوي بين الفن والحياة كان ملموساً في معرض متحف تايبيه للفنون الجميلة.
في كاتالوغ المعرض تناول الناقد الفني التايواني وي يو في كتابته أنَّ لي يمتلك وعياً ذاتياً مبكراً لطريقته البديلة في كونه فناناً، والباحثة السوسيولوجية البريطانية من أصل صيني ديانا ييه فسّرت عملَ لي الدؤوب في متحفه كمبريا كطريقة قوية، لكن في ذات الوقت إبداعية لاستحضار مدينته في الصين.
آخر أعمالِ لي الفوتوغرافية الملونة يدوياً عبارة عن صور شخصية تعود إلى الثمانينيات والتسعينيات، وهي تعطي انطباعاً بالوحدة والاكتئاب، وربما تزيدها سلسلة من أحداث مؤسفة صادفها في حياته آنذاك؛ مثل والدته التي ماتت قبل أن يتمكن من رؤيتها، وفي مقابلة مصورة بخصوص المعرض استعمل الناقد بريت ثانيةً مصطلح (العزلة) في مناقشته سلسلة صوره الفوتوغرافية، وبالتجول في المعرض يرى المرء موضوعات متكررة للعزلة في رحلةِ لي الفنية، ليس فقط عزلته كإنسان، إنما أيضاً كفنان بعيد عن العديد من الميول الإبداعية لعصره.