P
R
E
V
N
E
X
T

SUPPER AT EMMAUS, 2014, photo installation, 142.4 × 177.8 cm. All images courtesy the artist. 

SHANGHAI STREET, 2011, enamel paint on canvas, 180 × 200 cm. 

مواطن هونغ كونغ

Chow Chun Fai

Hong Kong
Also available in:  Chinese  English

أمر جيد أن تعرف أن فناناً مثل شاو شن فاي يعيش في هونغ كونغ، وهو يتعامل دائماً مع هوية المدينة التي تتغير باستمرار وجهاً لوجه، فهو كما لو أنك تعرف شخصاً ما يقف خلفك دائماً، صديقاً يمكن أن تعتمد عليه باستمرار، وبالنسبة لشاو فإن وجوده في عالم الفن ليس مسألة اختيار تجارية أو مقاربة شعبية، بل هي بالأحرى مسألة اختيار مكان انتقالي ليكون قادراً على التوسط بينهما، وهما غالباً قطبان متناقضان.

طبعاً هذا الوضع يعكس عدداً من الأمور حول شاو، أي الفنان والمحرض في وقت واحد، فهو ممثل للمجتمع، ومنظم له أيضاً، وفي المقابل هو رئيس قرية الفنان فونتانيان الذي يمثل عدة فنانين ومصممين مقيمين حالياً في فو تان المنطقة الصناعية في الأراضي الجديدة لهونغ كونغ، حيث يحتفظ شاو على مرسم له منذ 2003، وهو أيضاً عضو في (Factory Artist Concern Group)، حيث يعمل من أجل حياة الفنانين وعبر المناطق الصناعية في هونغ كونغ، في الواقع ترشح عام 2012 إلى مقعد في المجلس التشريعي في هونغ كونغ، حيث كانت كل التشريعات الأولية قد سُنَّت، الأمر الذي كان مثيراً للجدل، وفي ذات الوقت خطوة مثيرة بجرأتها وذكائها، لأنه  وكما أخبرني مؤخراً (ما حاولت أن أناضل من أجله هو حق ثقافي شعبي عام).

نرى معالم هذ النضال ذاته في الممارسات المتعددة المختلفة، حيث خاض الفنان تلك المعارك في جبهات متعددة، وأسلوبه تطور بعدد من العوامل، أولها هو أن شاو المولود عام 1980 ينتمي إلى جيل الفنانين الذين نشأوا على الخطابات حول كل من حملة ميدان تيانانمين لفرض الأمن، وتسليم هونغ كونغ من قبل المملكة المتحدة إلى الصين عام 1997، وثانيهما أنه ولد في مدينة معروفة تقليدياً كبوابة بين الشرق والغرب، وثالثها يعكس التحولات في حياة شاو عندما كان طالباً في جامعة الصين في هونغ كونغ، حيث حصل على شهادتي البكالوريوس والماجستير في الفنون من قسم الفنون الجميلة، وفي عام 2011 مرض والده، الأمر الذي جعل الطالب الشاب يحصل على شهادة قيادة السيارة، ويعمل بالإضافة إلى دراساته.

في أيلول من العام ذاته نظم (جنازة مشتركة من شو وكوان) مع كوان شيونغ شي معاصره في (CUHK) في صالة عرض (1A) في قرية (Cattle Depot Artist) التي افتتحت حديثاً، وهو بناء كان سابقاً مسلخاً أعِدَّ ثانية ليصبح الآن مسكناً لنحو 20 من منظمات الفنانين، وفي هذا المعرض أحرق الفنانون بعض أعمالهم القديمة، وقد شمل الأمر بالنسبة لشاو منحوتات على هيئة شاشة كمبيوتر، وغيتاراً أحمر وأقنعة، تقليداً لإقامة جنازة.  فما هو السبب؟ في الجنازة – كما يشرح شاو – يُحتفل بالمتوفى من خلال الخيال والذكرى، تماماً كما في صالة العرض، فالفنان يوجد فقط مثل شبح يسكن الأعمال الفنية المعروضة ذاتها، وعلى هذا النحو فإن المعرض محاولة لجعل الفنان مرئياً، أي تعبيرٌ عن حالة الفنان في هونغ كونغ في هذا الوقت.

موضوع الرؤية هذا سوف يصبح أكثر وضوحاً في في عمل شاو الأخير، عندما أدخل الساحة السياسية بعد أكثر من عقد أي في عام 2012، وأيضاً خلال هذه الفترة تحول تركيزه إلى تصوير المناظر الطبيعية لهونغ كونغ التي شاهدها وهو يعمل كسائق تاكسي، أي العمل الذي استمر به حتى عام 2007، حيث تجلى في سلسلة لوحاته (تاكسي هونغ كونغ)/ 2003 – 2005؛ و (شارع هونغ كونغ)/ 2004 – 2005؛ التي نفذها إما بطلاء المينا أو بالألوان الزيتية على القماش أو الخشب، والسلسة السابقة التي تصور عدداً من التاكسيات الحمراء هي رمز من رموز هونغ كونغ الجوهرية في ساعات مختلفة من النهار، وهي مأخوذة كلقطات من الأمام أو من الجانب أو من الخلف، والأعمال الأخيرة هي مناظر طبيعية بزوايا واسعة لهونغ كونغ، بعضها أثناء النهار، وبعضها الآخر في الليل، وهي مقدمة بنوع من الواقعية الاشتراكية لأسلوب حركة “NOIR” الفرنسية عند إدوارد هوبر وديفيد هوكني، ناهيك عن ضربات الفرشاة الباذخة لليو شاودينغ. هناك منظر شارع من الكتل الكثيفة القديمة لمونغ كوك وحتى تطويرات سبعينيات القرن الماضي في تاي بو هي دراسة في كتل الإسكان العام القديم في شيك كيب ميي، أي نزهة في الواجهة البحرية ظهراً لتسيم شا تسوي، ومنظر لهونغ كونغ في الليل مأخوذ من شارع تشاتر يظهر مقر “HSBC” الإبداعي، ومبنى المجلس التشريعي، أي المحكمة العليا سابقاً، والبنك القديم لمبنى الصين، والبنك القديم لبرج الصين الحالي.

في هذه الفترة التكوينية يخبرني شاو أنه كان أصغر سناً، وأكثر رومانسية، وكان يعمل من خلال واقعه الخاص، فعمله سائق تاكسي أتاح له رؤية هونغ كونغ التي كانت مثلما يعرّفها (القاعدة الشعبية واقعاً)، وقد طبق تلك التجربة البصرية في عمله الفني، مقدمة بأسلوب واقعي يصفها شاو أنها (بسيطة وأكاديمية)، هذه اللوحات ترفع هونغ كونغ إلى موضوع بحد ذاتها، منظر قيّم يليق بعين الفنان الحساسة، وليس مناسباً للوحة إعلانات، ولم يكن القصد منها أن تكون لـ (السوق) أو (الفن المعاصر)، (بالطبع) أضاف بامتعاض، (عندما ذهب هذا العمل إلى صالات العرض فُسّر على أنه يصنع من هونغ كونغ أيقونة)، وربما قصد هذا الكلام أولئك الذين ينتقدون أعمال شاو على أنها تجارية جداً، أو تقود إلى نوع من المحلية الفيتشية.

ONE NITE IN MONGKOK, “SO MANY PEOPLE OUT THERE,” 2007, enamel paint on canvas, 100 × 150 cm. 

لكن لماذا على عمله ألا يكون حول أيقنة لهونغ كونغ؟ فالمدينة في النهاية هي موضوع شاو ومصدر وحيه، فضاء فعال لاكتشاف موضوعات أعمق متعلقة بالهوية والقوة في القرن الـ21. هذا الاكتشاف واضح وخاصة في حالة أعماله الأكثر تميزاً، أي اللوحات القماشية (الرسم على فيلم) التي بدأها شاو عام 2006، وهذه اللقطات  مرسومة إما من سينما هونغ كونغ “New Wave” في السبعينيات والثمانينيات، أو من الحركة التي تلتها (والتي قدمت الإجلال لسابقتها) بما فيها فيلم شوه شانغ سينغ (الغضب الأول 1991)/ 1991؛ عمل بطله النجم الكوميدي الأسطورة ستيفن شاو، وفيلم آن هوي (حب في مدينة مهدمة)/ 1984؛ والفيلم المشترك (وضع جهنمي)/ 2002؛ لكل من أندرولا وآلان ماك، وفي إحدى اللوحات المستوحاة من (وضع جهنمي) يصور شاوتوني ليونغ جالساً على الحافة وهو يقرأ (أريد استعادة هويتي).

سلسلة الرسم السينمائي تربط تعقيدات الثقافة المحلية التي حددها تاريخ استعمار هونغ كونغ، ونجاحاتها كمركز مالي في التسعينيات، وعودتها نهاية المطاف إلى البر الرئيس، وهي تلعب على عدد من الموضوعات التي حدثت أثناء عمل شاو، أي الترجمة وسوء التفاهم، سواء الثقافية أو اللغوية أو المفاهيمية، أو مسافة الإدراك الموجودة بين التعبير من جهة وفهمه وتلقيه من جهة أخرى، الرسم – على سبيل المثال – أو العمل السياسي.

كل هذه الموضوعات متعلقة بهونغ كونغ وخليط الفوضى الثقافية والسياسية فيها، وقد انعكست على صور فيلم (موضوع جهنمي)، فعلى سبيل المثال يعلق شاو على الجنس الفني الخاص بهذا الفيلم، والذي هو عبارة عن قصص الشرطة السرية والشرطة والعصابات، ويحظى بشعبية كبيرة في هونغ كونغ، ويعكس شيئاً من قلق المدينة.(إن ذلك بسبب هويتنا الخاصة، نحن أكثر من أن نصور جانباً واحداً للشرطة أو المافيا، نحن دائماً كلاهما)، وأضاف أن هذا الجنس الفني حقيقة أصبح شعبياً في الثمانينيات أثناء الاستعدادات لتسليم عام 1997، وهي مرحلة كانت كلها تدور حول ما يسميه (الهوية غير الواضحة)، ربما لهذا السبب قُدِّمت هذه اللوحات كإعادة تصوير للقطات الفيلم بحرية تصرف تامة، الأشخاص في اللوحة على سبيل المثال ليست لها ملامح واضحة، وأيضاً على سبيل المثال لم يتم نسخ التفاصيل بشكل دقيق، وهناك لمسات لضربات الفرشاة تذكّر بنوع الأفلام الحُبَيبية.

INFERNAL AFFAIRS, “I WANT MY IDENTITY BACK,” 2007, enamel paint on canvas, 100 × 150 cm. 

وعلاوة على ذلك فإن الهوية غير المؤكدة بالنسبة لشاو تمتد خارج هونغ كونغ، وكجزء من معرض (عين هونغ كونغ) في صالة عرض “Saatchi” في لندن 2012؛ قدم شاو رسوماً من فيلم الفنون القتالية عام 2010  (أسطورة القبضة)، كتب عليها العنوان الفرعي التالي: (الصين لا يحكمها الصينيون على أي حال).

أعمال أخرى من هذه السلالة تضم لوحتين (حب في مدينة مهدمة)/ 2007، و(قبضة الجني)/ 1991؛ مع عنوان فرعي هو (أنا لا أستطيع الادعاء أنني صيني حقيقي)، و(نحن صينيون) على التوالي، وعلى ما يبدو فإن القصد من هذه الأعمال هو أن تشير إلى ذات النوع من عدم اليقين الذي صور في سلسلة  (موضوع جهنمي)، والسؤال المطروح بسيط في كل هذه الأعمال، ويتحدى فكرة الثقافة، وهو: ما هي الهوية؟.

حقيقة كان هذا السؤال أوسوء الفهمعن الهوية الصافية؛ الأمر الذي تصارعت معه هونغ كونغ لعقود، وذلك ما ساعد أولاً في إنتاج لوحات الفيلم، فعندما كان شاو في روما عام 2005 أخبره صديق إيطالي أنه أحب فيلم هونغ كونغ الذي يدور حول رجل يحمل سيفاً ويطير في الغابة، قاصداً الفيلم التايواني الأمريكي "النمر الرابض والتنين الخفي)/ 2009؛ لـ أنغ لي، وهو من إنتاج هوليود، وقد كان هذا الفيلم الذي صنع شاو منه أول رسومه السينمائية عام 2006 (بسبب سوء الترجمة التي حصلت في مصطلحات سوء فهم الهوية)، وفي النهاية لم يكن ذلك فيلم هونغ كونغ.

LEGEND OF THE FIST, “ CHINA IS NOT RULED BY CHINESE ANYWAY,” 2012, enamel paint on canvas, 244 × 488 cm. 

RIDES ON A SOLITARY JOURNEY, 2008, photo installation, 240 × 203 cm. 

إن شرح سوء الفهم هذا – بالنسبة لشاو – وإنتاج استجابات له؛ هو ما دفعه للاستمرار في تقديم سلسلة (تركيب صورة) الذي بدأ عام 2005 كما يتذكر شاو، ولذلك أعاد عرض الأعمال الشهيرة في الفن الغربي، وغالباً ما يجمعها كما الفن التصويري الفوتوغرافي على ارتفاع عدة أمتار، وطول يصل إلى 8 أمتار، مصنوعة من مئات الصور الشخصية التي استعملها لبناء الصورة، وبهذا يقدم شاو الأعمال كتركيبات تصور مادة المصدر الأصلية، بما في ذلك الكتب والنصوص.

في العديد من هذه الأسئلة شاو هو شخصية محورية، ومثال على ذلك نسخته من (فن الرسم) لفيرمير/ حوالي 1666؛ و(العشاء في إيماوس)/ بين 1605- 1606؛ لكارافاجيو أستاذ فن الباروك الإيطالي، وقد قُدِّم هذا الفيلم كجزء من (الضوء والظلال) في مركز هونغ كونغ آسيا الاجتماعي في آذار 2014.

في حديثه عن (العشاء في إيماوس)، يقول شاو: (أستعمل وجهي الآسيوي في لوحة أوروبية تتحدث حول قصة من العهد القديم، قصة هي حقيقة ليست من الغرب حتى، وهكذا تتم العودة إلى فكرة الأصل والأصالة). إنه يقدم عملاً يتناسب مع عمله (الرسم على فيلم)، ومع فكرة أن (كلتا السلسلتين تدوران حول الهوية، وهكذا سميتا اختلاط الثقافات).

لكنه يسرع ليضيف أن عمله – عموماً – ليس حول الشرق والغرب ببساطة، هو تركيبات صور أخرى تتعمق بتقديم وجهات نظره عن الاختلاط الثقافي بتداخل أعمال غربية متميزة مع سلسلة صينية تقليدية، ومن ضمنها عمله (السفر في رحلة انفرادية)/ 2008؛ وهو كولاج لـ 432 صورة يعيد خلق عبور نابليون لجبال الألب للفنان لويز ديفيد (1800 تقريباً)، مع تحويل وجه نابليون إلى وجه أحمر يشبه وجه محارب من أسطورة القرن الـ16 لـ لو كوان شنغ (رومانسية الممالك الثلاث) التي ظهرت أول مرة في طبعة في أوائل القرن الـ16، ثم (تحويل القرد الملك)/ 2007؛ حيث يستعمل الإطار التركيبي (اعتناق القديس بولس المسيحية)/ 1601؛ لكارافاجيو، (حصان ليغو عملاق) لتزيين مشهد من رواية من القرن الـ16 (رحلة إلى الغرب)، حيث يسافر كاهن بوذي إلى الهند ليسترد كتاب سوترا المقدس بناء على طلب بوذا ذاته، ويقابل على طول الطريق شخصيات أسطورية عديدة مثل الشخصية الأسطورية الصينية المعروفة الملك القرد، ومن خلال السلسلة يلعب شاو على فكرة عدم اليقين الثقافي كممثل حقيقي للثقافة المعاصرة.

التجميع من الصور الجاهزة يعبر بفعالية أكبر عن التواريخ المتشابكة، وكما جاء في تعليقه؛ فإن الصور المخصصة لهذه الأعمال مأخوذة من مجلات وكتب تاريخية (وهكذا هناك آلاف التفسيرات لعمل واحد من داخل  سياقات مختلفة، وتفسيري هو واحد من تلك التفسيرات).

هناك شيء سياسي بطبيعته حول هذا النوع من النظرة العالمية الجامدة، وقد انعكس ذلك في فيلم هونغ كونغ الذي يعمل عليه مؤخراً كجزء من سلسلة (الرسم على فيلم)، وهو فيلم خيال علمي كوميدي لـ فرويت شان المأخوذ عن رواية لكاتب من هونغ كونغ عمره 25 سنة يستعمل اسم "بيزا"، وهو يؤرخ لمجموعة من الناس الذين يستقلون حافلة صغيرة من وسط مدينة كاولون إلى تاي بو، وجدوا أنهم قد نقلوا إلى هونغ كونغ البائسة بعد أن مروا عبر نفق ليون كوك، الممر القديم إلى الأراضي الجديدة، ومثلما كتب ديريك إيلي في (فيلم بيزنس آسيا): (أيُّ هونغ كونغ انتهى بهم المطاف فيها، إنها في الواقع أقل إمتاعاً مما حصل للمسافرين وهم مذعورون ويتجادلون ويستجمعون القوى، ويهاجمون بعضهم، ويواجهون نوعاً من نهاية العالم خلال 24 ساعة القادمة).

يبدو السؤال (ماذا يحدث عندما تجد مجموعة متنافرةً ذاتها في مواجهة وضع نهاية العالم) شبيهاً بسؤال (كيف يستطيع المرء أن يؤسس ويرعى نوعاً من وحدة اجتماعية من أجل الباقين على قيد الحياة من دون جوهر هوية ثقافية توحدهم، قضايا مشابهةً تُثار عندما يكون الفنانون عبر كل التخصصات الموسيقية والفنون البصرية والتصميم والأزياء، فالذين انتقلوا إلى المناطق الصناعية الفاشلة في هونغ كونغ بعد عام 2000 وجدوا فجأة أن ملاذاتهم الآمنة ما هي إلا ورشة بناء في هونغ كونغ، والنقاش حول هذه الأمكنة تحتدم إلى جانب الخلافات الأوسع التي تتعلق بالعقارات في هونغ كونغ، وخاصة تضاؤل احتمالات التوصل أكثر من أي وقت مضى إلى مكان بأسعار معقولة في مدينة تهيمن عليها مصالح القوة والتجارة.

ورداً على هذا التهديد للفنانين الذين يعيشون في المناطق الصناعية؛ فإن (the Factory Artist Concern Group) التي تأسست كي توفر منبراً لجماعات محلية مختلفة ومتنوعة قد اختارت شاو عام 2011 ليترشح ممثلاً قطاعات “الرياضات والفنون المسرحية والثقافة والنشر” في الانتخابات المحلية العام القادم للمجلس التشريعي، ففي حكومة هونغ كونغ “الدائرة الانتخابية الوظيفية” هو منصب لجماعات المصالح الخاصة، وكما كتب روبين بيكهام في صحيفة الفن عام 2013 (ترشح شاو ليمثل النظرية وليس في الممارسة يوجد قطاع الثقافة).

هناك عدة أسباب تؤهل شاو كي يكون الاختيار الأنسب لهذا العمل، وبالعودة إلى الفترة التي كان يعمل فيها سائق تاكسي؛ يعتبر شاو قدرته على العمل وهو يتابع مسيرة الفن مثل عامل هام لنموه كفنان، ويشرح تشاو (لقد تمكنت من كسب لقمة العيش قبل تخرجي في الجامعة، بينما كان العديد من أقراني مشغولين بالبحث عن عمل، أو مشغولين في كيفية توفير الرعاية لأسرهم)، على هذا النحو عرف أن من الممكن له أن يعمل كفنان، ويبقى على قيد الحياة في المجتمع في ذات الوقت. حقيقةً عندما سألته لماذا ترشح للمجلس التشريعي، قال بكل بساطة إنه كان يتمتع بامتياز كاف لأن يفعل هكذا مثلما استطاع أن يكون فناناً (كل أصدقائي تقريباً لديهم أعمال أخرى، أو ليست لديهم القدرة على المشاركة السياسية أو حتى اهتمام بالسياسة أو بالقضايا السياسية، ولكن أنا أملك القدرة والفرصة للمشاركة في ذلك).

CONVERSION OF MONKEY KING, 2007, photo installation, 240 × 177 cm. 

وفي ذات الوقت – وقبل ترشحه – كان شاو قد أصبح عضواً فاعلاً في مجتمعه في فو تان، حيث ينظم سنوياً الحفل الشعبي “استوديوهات فوتانيان المفتوحة”، وكرئيس لـ (Fotanian Artist Village) فإنه يتحدث حول ضرورة خلق وحماية فسحة للأفراد مع الحفاظ على مستوى معين من المرونة والفوضى المستمدة من روح المشهد الإبداعي، وهكذا لم يكن لاستوديوهات فوتانيان موضوعاً أو مديراً على الإطلاق، والشيء الوحيد الذي يوحد كل الاستيديوهات هو موقعها، وكما مرت الأعوام؛ والجمهور من المقيمين المحليين وعمال المصنع، فضلاً عن جمهور هونغ كونغ احتضنوا ما يمثله هذا الحفل السنوي، لكن شاو في ذات الوقت واجه المسؤولية ومعضلة التوسط وخلق مكان يضم الجيمع في مجتمع متنوع على نحو متزايد.

وهكذا وعلى مدار حملته الانتخابية؛ استعان شاو بمعرفته وخبرته في دوره الجديد كـفنان وسياسي في آن معاً، وهي مهمة يعتقد شاو أن الفنان يستطيع ويجب عليه القيام بها إذا كان في وضع يمكنه من القيام بذلك، وعلى أي حال فقد واجه معضلة عندما أخذ الدور السياسي، كما علل ذلك وقتها بقوله: (لو أعلنت أن قراري عمل فني فلن يأخذه أحد على محمل الجد، ولن أحصل على أي دعم، ولن يستمع الناس حقيقة لما أقوله، لكن عندما أقول هذا ليس عملاً فنياً عندئذ سيسأل الناس لماذا ترشح فنان إلى الانتخابات؟ العديد من أفعالي يمكن أن تعتبر من دزن معنى). وهكذا توقف عن إنتاج الفن مدة عام، وخاض الانتخابات بطريقة جدية للغاية، ولم يعلن ولا مرة أن الأمر مدفوع بهدف فني.

بالطبع كان هناك إنجاز لحملته عام 2012. يقول شاو: (لم أتفق مع فكرة دائرة انتخابية وظيفية، لذلك كان أول بيان قدمته ينص على أنها يجب ألا توجد بعد الآن). هذا العمل له سابقة في رغبة شاو الأصيلة بدراسة الفنون المسرحية قبل التحاقه بـ (CUHK)، حتى أنه قدم طلباً لأكاديمية هونغ كونغ للفنون المسرحية، وحصل على القبول، لكنه أدرك أنه يستمتع بفكرة المسرح الصغير أكثر من الإنتاج الكبير، وأن عليه دراسة الفنون الجميلة عوضاً عن ذلك، وكجزء من حملته السياسية وضع حامل اللوحة في الشارع وشرع بالرسم في أحد الأعمال التي قام بها، فالفعل الأدائي يسلط الضوء على مغالطة في الدائرة التي كان مترشحاً فيها، والتي تلبي رغبات الشركات والمؤسسات، وبالتالي لا تتطلب فرز الأصوات العامة، وإن الرسم في مكان عام بالنسبة لشاو هو (عمل يجسد حقاً ثقافياً).

هذا يعود بنا إلى مسألة؛ فيما إذا كانت انتخابات 2012 بالنسبة لشاو عرضاً مسرحياً، أم قطعة فنية، أم عملاً سياسياً. عندما سألته تحفظ قائلاً: (لو كنت أحاول الفوز بالمقعد لما كنت أدرت الحملة الانتخابية بهذا الشكل. ما أردته أني طرقت أبواب هذه الشركات الثقافية، عادة الفنانون لا يفهمون، وليس لديهم معرفة بهذا النظام السياسي، وقد قضيت وقتاً طويلاً في قراءة الوثائق، وتعلمت من السياسيين، لكنني حقيقة لم أصبح سياسياً. بالإجمال لم يكن ذلك في نيتي).

في الواقع كان هدفه تسليط الأضواء على حاجات الفنانين الواضحة والملحة لتكون من ضمن اهتمام صناع القرار، وكما يؤكد تشاو موضحاً (يجب أن يكون هناك أيضاً اهتمام ثقافي لدى صناع السياسة). يجب أن تطور هونغ كونغ سياسة ثقافية واضحة، وواحدة من بنودها هو أن تتجنب مواقف مثل الوضع الحالي في المنطقة الثقافية في ويست كاولون بهونغ كونغ، حيث يلاحظ شاو أن (كل ناطحات السحاب الأخرى بنيت بسرعة، لكن متحف M+ لم يكتمل بناؤه بعد).

وهكذا، وعلى الرغم من أن موقفه الانتخابي لم يكن موفقاً؛ فإنه يمثل بداية. فلم يكن هدف شاو انتقاد أو معارضة النظام السياسي فقط، لكن – مثل الكثير من أعماله – ليستعيد أيضاً مكانة الفنانين، وليدخلهم في نسيج المجتمع، حيث يعتقد أن ذلك قد يؤدي إلى نمو وتطور أكثر توازناً، وكما يشرح شاو: (يعتبر الفنانون تحت الأرض)، وكما قال يعود السبب (في الأيام الخوالي كنا نختبئ في المصانع لأن النشاطات الثقافية كانت تعتبر انتهاكاً للقوانين، ولكن عندما تعتبر تحت الأرض فإنك لا تملك الحق في أن تتعامل مع قطاعات المجتمع الأخرى). عندما تخصص المنطقة بكاملها لإعادة الإعمار، وهذه ممارسة تتكرر مراراً  في هونغ كونغ، وهو احتمال تواجهه الأراضي التي تحيط بمشروع إعادة تطوير شرق كاولون، فيصبح من السهل تهجير الفنانين من أماكن إقامتهم.

وعلى هذا النحو فإن الطريقة التي أجرى فيها شاو حملته الانتحابية – وكما كتب أنتوني ليونغ بو شان – في مجلة ليب كان ببساطة (هو ذاته، الفنان)، وهكذا قلب الصورة النمطية لما هو فنان، وأصر على إعادة تعريف كيف هو أو هي؛ يمكن أن يعملا كجزء من المجتمع، وكما لاحظ ليونغ: (في النقاشات السياسية كان أكثر معرفة وتأليفاً من السياسين المهنيين، وفي النهاية خسر الانتخابات، لكن هذه الخسارة لم تؤثر على فنه، لقد وجد طريقة تنطوي حتى على مفارقة أن يوحد الاثنين معاً بأناقة)، وهذا النوع من التألق في توحيد المتناقضات هو السلك الناظم الذي يوحد  عمل شاو بكامله، بدءاً من رسمه، وانتهاء بمشاركته السياسية، وهو أيضاً يجسد خصوصيات هونغ كونغ وتعقيداتها.

هذا هو السبب في أنه من الجيد معرفة أن هناك فناناً مثل شاو في هونغ كونغ، يمكن أن يحمل وجهين أو أكثر معاً في جسد واحد، فنان لا يخشى من استكشاف وتحدي صورة وتكوين مدينة يصفها بالمختبر السياسي، (من حيث بعض القوانين فهي ليست واضحة تماماً، وحتى غير عادلة)، حيث (حتى الناس في هذا المختبر لا يعرفون القوانين لأنهم لم يتعلموها)، وفي هذا يدعم شاو حق المطالبة بكيف يمكن أن يعمل الفنانون في المجتمع إذا رغبوا بذلك، نظراً لأنهم يقيمون فيما يشبه المنطقة الحدودية بين الإبداع والاتجاه السائد، فالفنانون – حسب شاو – (يجب أن تكون لديهم المعرفة والقدرة على انتقاد الوضع السياسي). إنهم وبرغم كل شيء مراقبون للحياة، فالرسامون والمصورون الفوتوغرافيون والممثلون المسرحيون؛ قبل كل شيء هم مواطنون.

Chow Chun Fai painting on the streets of Mong Kok in Hong Kong during his campaign for Legislative Council, 2012.