بعد 6 دقائق فقط في محادثة الإفطار مع الفنان غو ويندا منتصف أيار/ مايو في هونغ كونغ، وصف ذاته بـ"المشاكس"، فهو لم يلتزم بتعليمات المدرسة، حتى كمعلم. توقعت ذلك كونه واحد من فنانين كثر صنعوا أنفسهم خارج الصين بدايات الثمانينيات بعرضهم تركيبات ضخمة استخدمت شعرالإنسان – ولفترة قصيرة – دم الحيض، ومسحوق المشيمة، وحتى المني. وعلاوة على ذلك – كما شرح لي الفنان غو الودود – بنظاراته أثناء محادثتنا، وبدلاً من تعظيم تاريخ الفن الصيني الضخم، فقد أمضى غو العقود الأربعة الأخيرة يبحث عن طرق جديدة لتفسير تلك التقاليد الأدبية، فهو ثائر على المعتقدات التقليدية، مفتون بالأيقونات.
قبل أيام قليلة افتتح معرض غو في صالة هانارات TZ في هونغ كونغ، وهناك كان يعرض مناظر طبيعية تجريدية على ورق الشاي الأخضر، وأعمال الخط العربي، ومستطيل بحجم غرفة فيه هباب فحم مرشوش على الأرض، كلها خلقت بحبر “جيني” صيني خاص به، وقد حصل غو على الحبر الذي يستعمل شعراً بشرياً مسحوقاً بدل الفحم، صنِّع خصيصاً في مصنع حبر شنغهاي كاو سوغونغ الشهير. استعمل مسحوق الشعر في الطب الصيني لعلاج القلق، وهو يحتوي على الصيغة الوراثية لعدد لا يحصى من الناس، واستعماله من قبل غو إشارة رمزية تهدف إلى تخفيف قلق الصينيين الأحياء حيال ثقافتهم، وذلك بربطهم بمن سبقهم من السكان الأصليين بالرسم بالحبر.
كان الفنان مشغولاً للغاية في شهر أيار/ مايو، فقبل أيام فقط من معرضه في هونغ كونغ كان في فوشان بمقاطعة غوانغدونغ، حيث أدار مشروعاً واسع النطاق وعرض في معبد الأجداد في يوانجي هوانغونغ (The Art of Filial Piety )/ 2014؛ في فوشان لينغنان تياندي. هناك.
نظم 1060 تلميذاً في المدرسة الابتدائية عملاً جماعياً لكتابة الخط العربي، ناسخاً شياو جينغ الكونفوشيوسي (أثر فيليال بيتي الكلاسيكي) على مئات القطع من الحرير الأحمر، وبعد عرضه هذا العام في فوشان، سوف يرسل إلى متحف سوتشو للحرير لتتم إخاطته في قطعة واحدة مساحتها 1000م2.
يلتزم غو في حياته الخاصة بالمبادئ الأساسية للكونفوشيوسية “فليفال بيتي هي جذر كل الفضائل”، وكلما كان في مرسمه في شنغهاي يعتني بوالديه التسعينيين، رغم أنه يعيش مبدئياً في بروكلين مع زوجته مصممة الديكور كاثرين سكوت. ولد غو في شنغهاي عام 1955 لعائلة من المصرفيين، وهو الابن الأصغر بين ثلاثة إخوة، ومثل العديد من الأسر البرجوازية الصينية؛ عانت أسرته كثيراً تحت حملات ماو تسي تونغ لإعادة التأهيل في الثورة الثقافية (1966/1976)، كان جده لأبيه غو جيانتشينغ أول كاتب مسرحي للدراما المحكية في الصين، وهو مؤسس جمعية دراما شنغهاي في فترة ما بين الحربين، لكنه نفي فيما بعد إلى الريف حيث مات وحيداً.
أعمال غو – فضلاً عن تعليقاته الخفية – تدل على تفانيه في الثقافة الصينية، علاوة على طموحاته الخاصة الكبيرة، وليس من المفاجئ إذا أن غو يسمي نيتشه (الشخص الأكثر تأثيراً بي)، وهو الذي يعطيه طاقة في أي وقت يواجه فيه مشكلة. غو لا يحبّ الرسم الزيتي الذي بدأ في الصين مع رسامين واقعيين من أمثال كونستانتين ماكسيموف، بناء على رغبة ماو في الخمسينيات، غو يتحدث عن الماركسية كشيء (مستورد من أوروبا)، رغم أنه أيضاً يسارع في شجب (الثقافة الاقطاعية) خاصة في مجال التعليم، والتي كانت إرثاً من المجتمع الكونفوِشيوسي، عندما كان شاباً تجند غو في الحرس الأحمر، وكتب ملصقات دعائية، وقد عُيّن في مصنع شنغهاي لإنتاج منحوتات خشب على الطراز الشعبي قبل أن يدخل إلى جامعة شنغهاي للفنون.
بعد نهاية الثورة الثقافية غادر غو شنغهاي إلى هانغتشو، حيث حصل على درجة الماجستير عام 1981 من أكاديمية تشيجيانغ للفنون الجميلة (أكاديمية الصين للفنون)، وقد درس على يد لو يانشاو (1909 /1993) الذي يتذكره غو على أنه كان (الأستاذ الأخير للمناظر الطبيعية التقليدية الصينية). لو اكتشف موهبة غو الاستثنائية (جنباً إلى جنب مع جانبي المتمرد) يعترف غو ضاحكاً، وأعطاه وظيفة بأن يدرس في الجامعة من عام 1981 وحتى عام 1987. كمعلم كان عمر غو قريباً، وحتى أصغر من العديد من طلابه، لكنه كان محبوباً لأن مقاربته أكدت على الإبداع الفردي قبل كل شيء (التقليدي هام، لكن عليك أن تربطه بالإبداع، إن المسألة ليست قضية نسخ).
مرحلة الثمانينيات كانت خصبة عند غو، كان يرسم اعتماداً على خبرته، ويبدع ملصقات بحروف كبيرة، وبدأ سلاسله المستمرة (أساطير السلالات الحاكمة المفقودة)/ 1983؛ التي تجمع أساليب الحروف البسيطة للدعاية الماوية النمطية مع نمط الكتابة التقليدية القديمة، أي البدايات الأولى المدونة للغة الصينية، وقد عمل أيضاً مع الطلبة على قطع عمل حية مثل عمله (أنا أقيم حروفاً كتبها 3 رجال و3 نساء)/ 1985؛ حيث كتبوا الحرف جينغ (هادئ)، أو (ساكن)، أخذ غو لوناً أحمر وشطب بعضها، ووضع دوائر فوق بعضها الآخر؛ مقلداً إشارات التربية التقليدية، والتطهير الإيديولوجي القاسي للثورة الثقافية. يتحدث بحنين إلى تلك الأيام (في ذلك الوقت لم يكن لدي أي سوق تجارية في ذهني، إنها مختلفة تماماً عن جيل هذه الأيام. كان الفن نقياً بالتأكيد).
حتى قبل أن يغادر إلى الولايات المتحدة عام 1987؛ كان غو معروفا في الصين. عام 1987 أغلقت السلطات معرضه في صالة شيان للفن، أخذ الطلبة الأعمال الممنوعة من العرض – لوحات كبيرة بالحبر لحروف صينية وهمية افترض مسؤولو الحكومة أنها تتضمن رسائل تخريبية لأنهم لم يستطيعوا قراءتها – وعرضوها في الشوارع، ورغم معاصرة حركة “الموجة الجديدة” 1985 التي وصلت ذروتها في معرض شباط/ فبراير 1989 الشهير بعنوان (طليعيو الصين) في بكين؛ إلا أن أعمالهم كانت مستمدة إلى حد كبير من الغرب بالنسبة لغو، وبدل ذلك فقد اختار غو (موقعاً وسطاً) بين تيارات الفن العالمي، وتراثه الفني الصيني الخاص.
منذ ذلك الوقت سكن في عالمين. تسونغ- زونغ تشانغ مالك صالة هانارت TZ عرض لغو إلى جانب شو بينغ؛ معرضاً بعنوان (رغبة في الكلمات)/ 1992، وفي عام 1997 نصب النصب التذكاري لغو في هونغ كونغ هاندوفر، عنوانه (الأمم المتحدة، نصب هونغ كونغ: الصدام التاريخي)، عام 2014 في المهرجان الفن بهونغ كونغ؛ عرضت هانارت TZ سلسلة غو من الألواح الحجرية المنحوتة والمطبوع عليها، (غابة الألواح الحجرية: إعادة ترجمة، وإعادة كتابة شعر تانغ)/ 1993 2005؛ وتركيباته المعلقة الضخمة (الأمم المتحدة: الإنسان والفراغ)/ 1999 2000؛ حيث استعمل غو الشعر البشري ليعيد خلق 188 علماً وطنياً، وعرض بشكل بارز في قسم بالمعرض.
يفكر غو دائماً على المدى البعيد، ويتصور إرسال كل علم من الأمم المتحدة إلى متحف في كل واحدة من الدول الـ188، وفي غضون ذلك كان يتكلم عن أكثر المشاريع طموحاً، بما في ذلك واحد مع مصنع مورانو للزجاج في البندقية لإنتاج قناديل على الطراز الصيني من أجل البينالي في العام القادم، وبعض المشاريع بقيت سرية، على أي حال؛ بينما كنت أزور معرض غو مرة ثانية في هانارت TZ بعد عدة أيام من حديثنا، كانت مجلة آرت آسيا باسيفيك تتحدث مع تشانغ عندما رن جرس هاتف التاجر، وقد اعتذر كي يكمل المكالمة الهاتفية، ولحظة كنا نغادر جاء تشانغ لتوديعنا، ثم قال لحظة انغلاق باب مصعد بناء بيدر (آسف، لقد كان ويندا. نحن نخطط للمعرض الأعظم في تاريخ العالم).