P
R
E
V
N
E
X
T

“Birth of the Museum” opening at Musée du Louvre, Paris, 2014. From left to right: Jean-Luc Martinez, president-director of the Musée du Louvre; Sheikh Sultan Bin Tahnoon al-Nahyan, president of Tourism & Culture Authority Abu Dhabi and of Tourism Development and Investment Company; François Hollande, president of France; Jean Nouvel, architect; Aurélie Filippetti, former French Minister of Culture. Copyright and courtesy Musée du Louvre. 

17th-century Parisian wood paneling. Width: (large panel) 392.5 cm; (medium panels) 140 cm; (small panels) 94.7 cm. Copyright and courtesy Louvre Abu Dhabi. 

رمال متحركة

United Arab Emirates France
Also available in:  Chinese  English

لدى الفرنسيين اسم غريب للوڤر أبوظبي، فهم يسمونه لو لوڤر سابلز، ويترجم بـ(لوڤر في الرمال)، هذا اللقب المثير الغريب للمتحف الوليد المقرر افتتاحه في كانون الأول/ ديسمبر 2015 انتشر استعماله في وسائل الإعلام الفرنسية منذ عام 2007، أي عندما تم توقيع الاتفاقية الدولية بين فرنسا وأبوظبي، وحتى الرئيس فرانسوا هولاند استعمله في نيسان/ أبريل في افتتاحية خطابه بمعرض (ولادة متحف)، والتكرار الثاني جاء في معرض المجموعة الدائمة لمتحف الإمارات الذي أقيم في موسي دو لوڤر باريس خلال شهر تموز/ يوليو. 

من وجهة النظر الفرنسية ؛ يشير لو لوڤر دي سابلز إلى اسم معروف على نطاق واسع في العالم، ويضع المؤسسة المتينة وسط بيئة غير مؤكدة، وكأنه يقترح بأن المتحف لم يبنَ، وإنما ارتفع بشكل غامض فوق رمال الصحراء. إنه يلمح إلى التكرار: لوڤر آخر “مثل غوغنهايم” ظهر بشكل غامض في مكان غير ثابت، وغير معروف، وربما حتى مجهول، إن لو لوڤر دو سابلز إمبريالي بطريقة غامضة، يستحضر موقعاً نائياً على هامش أراضي مضيافة غزتها الثقافة حديثاً.

(اللوڤر لا يضاهى) يطمئن هولاند في خطابه، (ولا يمكن نقله). إذا كان ذلك صحيحاً عندئذ ماذا يكون لوڤر أبوظبي؟ هل هو عضو من "عائلة " اللوڤر الكبيرة التي يتقاسم فيها الجميع القيم والدعم والتأييد؟ من الواضح أن الذرية الإماراتية تعتمد على اللوڤر الأم من أجل شريان حياتها في الخبرة، وتغذيتها باللباقة، ففي أبوظبي المتاحف المحلية قليلة. لكن كيف – على أي حال – يستطيع المتحف أن يعبر عن إماراتيته؟ 

إن لوڤر أبوظبي عرض بوضوح طموحه لأن يكون عالمياً، إنها قصة نقاط اتصال بين حضارات عظيمة عالمية لتعبيرات إبداعية متزامنة اختيرت من زوايا مختلفة من العالم، وفي هذه الحالة؛ هل الاتصال الروحي مع أي شيء ذو هوية إماراتية مهم أصلاً؟    

للفرنسيين تاريخ طويل في أعمال تصدير الثقافة، لكن تسمية باريس لمعرض (ولادة متحف) بعد عام من سلفه أبوظبي؛ لم يقدم توضيحاً لكيفية ولادة متحف اللوڤر، وبدلاً عن ذلك أثار الأسئلة حول مستوى الفعالية المستقلة التي يتطلبها هذا المتحف الوليد ليأخذ موقعه الثقافي المستقل في الرمال البعيدة. 

على الرغم من انتقادها بسبب تبنيها مقاربة "الأفضل"؛ فإن معرض (ولادة متحف) في باريس عرض تدرجاً تاريخياً في الصور والموضوعات التي تؤكد أصالة مجموعة الـ160 عملاً، والتزام لوڤر أبوظبي بالعالمية.

القيّمون على المتاحف المشتركون مباشرة مع لوڤر أبوظبي يؤكدون على أن هذا ليس على الإطلاق تعبير فرنسا عن العالمية، كتقديم قيم عصر التنوير معبأة في أعمال معمارية مشهورة في القرن الـ21. 

(شركاؤنا الإماراتيون جاؤوا إلينا ومعهم فكرة المتحف العالمي)، اعترف فنسنت بومارد مدير عام
(ولادة متحف) الذي كان له دور رئيس في التوصل إلى الاتفاقية الدولية عام 2007. يرى لوڤر أبوظبي العالمية عبر التبادل الثقافي، ومجموعتها تشمل التاريخ البشري، وتنشر الثقافات والجغرافيات، وتشبك إبداعات الجنس البشري في خلاصات وافية واسعة، ويؤكد بومارد (العالمية قبل أي شيء هي حول التنوع).    

متحف اللوڤر بالمعنى الدقيق للكلمة ليس متحفاً عالمياً مثل نظيره في المملكة المتحدة المتحف البريطاني، وقد تم تأسيسه قبل نحو 40 عاماً من تأسيس اللوڤر عام 1793، والمؤسسة الفرنسية نشأت من خاصية عصر التنوير في الفهم الكامل للعالم، إنها موسوعة أكثر مما هي عالمية، وعمق أكاديميتها الشاملة تقريباً أنجزت غالباً عبر نهب ثروات الحضارات الأخرى، فنابليون لم يكن لديه رادع حول الفرار مع المسروقات الثقافية خلال حملته العسكرية في إيطاليا ومصر وغيرهما، كما أن الحفريات الأثرية الفرنسية في القرن الـ19 غذيت باستمرار المتحف بالآثار القديمة.

ومع ذلك فإن فكرة المتحف العالمي سواء في العمق أو الاتساع؛ يبدو من الصعب فصلها عن الهيمنة الغربية، ورغم رغبة أبوظبي الجدية – كأول متحف عالمي في الشرق الأوسط – في أن تبدع حوار ثقافات متبادلة؛ فإنها ما تزال تحصل على أعمال من هذه الثقافات الخاصة. 

كيف يمكن قيام متحف بمثل ذلك المخزون الثقافي، في حين معظم الدول تعيد استصلاح واستعادة إرثها الوطني، فأعمال فنية وتحف تم الاستيلاء عليها تحت شعار طغيان العالمية في المقام الأول، وتسعى هذه الدول إلى إدراج استعادتها ضمن تصور لهويتها الوطنية؟. مع ميزانية الاستحواذ السنوية المزعومة بـ40 مليون يورو؛ هل يستطيع لوڤر أبوظبي بجشعٍ أن يشتري كنوز العالم والفورة الامبريالية التقليدية الغريبة التي عمرها قرون؟ 

إن المطالبة بالأعمال المنهوبة رفعت ضد لوڤر أبوظبي “أو – بدقة أكبر – ضد تشجيع القيمين على اللوڤر على استحوازاها”، وتوجيه أصابع الاتهام لم يأتِ من الدول الساخطة المحرومة من تراثها، بل – وفي تحول غريب من الإمبراطورية – من الفرنسيين، ففي وقت مبكر من عام 2007 حذر السياسي اليميني جان ماري لوبان من (إفقار التراث الفني الفرنسي) التي اعتبرها أحد أهداف هذه المشروع، وفي الآونة الأخيرة استهدف النقاد خطة القروض الدوارة الفائدة للوڤر أبوظبي في سنواته الـ10 الأولى، ومصدرها المتاحف الـ12 التي تشكل وكالة متاحف فرنسا، فالتحف والأعمال الفنية التي ستيم إقراضها ستكون من خزائن “وجدران” مؤسسات فرنسية مثل متحف غيوميه، ومركز بومبيدو، ومتحف دورسيه، وتتضمن قائمة القرض في السنة الأولى 300 عمل بقيت سراً لدى وفد الإمارات العربية المتحدة، فالقروض – كما يشكو النقاد – تسرق من الفرنسسين الحق في أن يشاهدوا ما يسمونه تراثهم الفني الحقيقي، ويشاع أن لوحة ليوناردو داڤنشي حسناء ڤيرونير من ضمن الأعمال، وبالمثل فقد عرض (ولادة متحف) أحد الأعمال التي استحوذ عليه لوڤر أبوظبي، وسبب جدلاً كبيراً بهذا الخصوص، وهو عمل فني من القرن الـ17 (من الأرض إلى السقف الألواح الخشبية والسقف كاملاً) من تاون هاوس الباريسي، ديدييه ريكنر ومن موقعه على الإنترنت لاتريبيون دو لو آرت؛ كان واحداً من كثيرين عبروا عن غضبهم لأن مثل هذا الكنز سيترك الأرض الفرنسية بأيدي القيمين الفرنسيين من أجل متحف “أجنبي”.

تؤكد أبوظبي أن عالميتها حق مكتسب في المقام الأول نظراً لوضع الإمارة باعتبارها نقطة لقاء ساخنة قديمة بين الشرق والغرب، الأرض التي كانت “وما تزال” مفترق طرق تجارية وثقافية حيث  تعيش التعددية في تاريخها، إلا أن ما نراه حقاً في المتحف في نزعته للعالمية هو حقيقة استثمار لا يمكن إنكاره في بناء الصورة الوطنية. 

افتتح (ولادة متحف) في باريس بما سماه القيم المساعد خالد عبد الخالق عبالله (قاعة الافتتاح)، وفي هذه القاعة كان في استقبال الزوار صورة كبيرة مختارة من الأرض إلى السقف لمشهد سوق الإمارات العربية المتحدة في بدايات القرن الـ20، وهي عليها اقتباس لكلمة للشيخ زايد: (أمة بلا تاريخ هي أمة بلا حاضر، ولا مستقبل). وكانت هناك مجموعة من السفن والمزهريات من عصر ما قبل الإسلام، وحصيلة الحفريات الأثرية في دولة الإمارات العربية المتحدة موضوعة على سبيل الإعارة من متحف العين الوطني.   

القاعة التي كان من المفترض أن تكون سبباً لزيارة الفرنسيين للمتحف، وتفكك الأفكار النمطية التي تستخدم عادة لمناقشة الطموحات الثقافية الإماراتية، وذلك من خلال صياغة الطموح كمنتج لاحترام التراث الثقافي الخاص.

يصور هذا التراث هنا بتعددية ثقافات (القطع الأثرية التي تركها البدو) وما قبل الإسلام، وبذلك يحمي الإمارات من أي اتهامات لها بتكريس مرجعيات مثل الدين، أو القومية.  

في شباط/ فبراير 2012 كتب الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس الهيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، رسالة مروعة لمدير متحف اللوڤر آنئذ هنري لويريت، وفي ثلاث صفحات رسمية يحدد الشيخ أساسيات ما سماه (التطور الخاطئ) في ذلك الوقت؛ بعد 5 أعوام من بداية المشروع.

واحدة من النقاط الرئيسة كانت الغياب المؤسف لـ (نقل المعرفة) المتوقعة من فرنسا، وفي ذلك الوقت كان هناك فريق صغير مؤلف من خبيرين يعملان في الموقع لتدريب الموظفين الإماراتيين، وإذا كانت هذه الأمور قد عولجت اليوم بشكل واسع (حيث حضر فريق من 17 شخصاً من وكالة المتاحف الفرنسية في العام الماضي)؛ فإن الأسئلة  تتجه نحو عكس ذلك: كم هي المساحة التي تركت للإمارات للتعبير عن مكان خاص بها؟  

اللغة التي استعملها الفرنسيون في مناقشة نقل المعرفة تعطي ضجة خاطئة الحذر في هذا التوجه، (اللوڤر) يطمئن هولاند في خطابه، (لن يتخطى دوره أبداً، ولن يستغل أبداً)، ويردد بوماريديه: (نحن لم نقل لهم ما يجب القيام به، لكننا شرحنا ما كنا سنقوم به لو كنا في وضع مماثل). 

هل تداعيات الإرث الاستعماري أعادت تشكيل ديناميات خاصة لنقل المعرفة؟ مثل هذه اللغة قد تعني أنها فرض نموذج واحد و"صحيح"، يحمل خطر إلغاء الاستقلالية والفعالية للإماراتيين.، وحتى لو ادعى الإماراتيون بامتلاكهم وممارستهم لاستقالية كبيرة؛ فإن السؤال يبقى إذا تم الحصول على المهارات عبر عملية النقل هذه فهل يمكن أن يقودهم ذلك بسرعة إلى الهدف المرجو، وهو إدارة المتحف وحدهم بما فيه الكفاية؟ المهندس المعماري جان نوفيل وعقب افتتاح معرض (ولادة متحف) قال في مؤتمر صحافي: (هذا هو العصر الذهبي لأبوظبي، والآثار يجب أن تقدم دليلاً على هذا). إن لوڤر أبوظبي محرج للقوميين وللصورة العالمية للإمارات، إنه جوهرة مصيرية في تاج الانتفاخ الثقافي في أبوظبي. 

ونظراً لهذه المخاطر؛ فإنه يبدو من الحيوي لهذا المتحف أن يكون خلاقاً من الداخل بقدر الإبداع الذي يأتيه من الخارج. نعم.. لوڤر أبوظبي يحتاج للتوجيه، لكن يجب أن يكون حذراً من تكرار القديم، النموذج الأوروبي القديم البالي، وعلى الرغم من الكثير من المفاهيم الخاطئة التي تحيطها؛ إلا أن المؤسسة تقوم بالفعل بصياغة سردها الخاص. وربما ستكون النتيجة عكسية للوڤر أبوظبي إذا لم يستعمل حريته الكبيرة ليبدع شيئاً جديداً تماماً للارتقاء به إلى أبعد من مجرد متحف اللوڤر دو سابل.