التاريخ له طريقة ملتوية في إعادة ذاته، واليوم نرى موجات من التقدم والاضطراب، ومن النقد والرقابة؛ تتصادم مع بعضها في الحياة العامة، أعطتنا الثورة الرقمية تقنيات الحياة المتغيرة أبرزها الإنترنت، لكنها تقود الطريق ببطء إلى استبدال الآلة بالإنسان، وحول العالم مرة ثانية الاضطرابات السياسية في تزايد، والكثير منها يغذيه قلق متنامٍ بسبب ازدياد النزعات القومية والطائفية، وكذلك التفاوت الاقتصادي، والشفافية الحكومية.
في هذا العدد من آرت آسيا باسيفيك نتفحص مجموعة من فناني ما بعد الثمانينيات الذين يحاولون فهم التحولات السريعة التي تجري في وقتنا الحاضر من المستوى الجزئي للخصوصية – مثل الوضع في هونغ كونغ – إلى وجهات نظر عالمية أوسع لعلاقة الإنسان بالطبيعة والتاريخ.
مقالاتنا تبدأ بنظرة متعمقة في أعمال فنان هونغ كونغ شاو شن فاي، والمساهمة الضيفة لهذا العدد ستيفاني بيلي تدرس سيرة الفنان البالغ من العمر 34 عام بصفته رساماً ومصوراً فوتوغرافياً وناشطاً اجتماعياً، ومساهماته في مجتمع الفن في هونغ كونغ، وهي تتبع مسار رسوم شاو للأفلام القائمة على فيلم من الموجة السينمائية الجديدة في هونغ كونغ في السبعينيات والثمانينيات، فضلاً عن الأفلام اللاحقة التي تمت، والتي تستكشف الهوية المعقدة لمواطنين جاؤوا من مناطق إدارية خاصة، وعلى وجه الخصوص في الفترة التي سبقت تسليم بريطانيا المدينة للصين عام 1997. بيلي تشرح كيف أن ترشح شاو مؤخراً عام 2012 إلى مقعد في المجلس التشريعي في هونغ كونغ امتداد طبيعي لممارسته الفنية.
في تايوان، محرر مكتب المجلة في تايبي ديفيد فرازير اتصل بالقيم والناقد الفرنسي المؤثر نيكولاس بوريود، ولقي اعترافاً بفضل (جماليات علائقية) الذي يحتفل بالأنشطة الجماعية أكثر من الأعمال الفنية، قبل أيام قليلة من أول سنتين له في آسيا؛ (التسارع الكبير) الذي افتتح في متحف تايبي للفنون الجميلة في أيلول، وناقش بوريود أسلوبه لبينالي تايبي 2014، حيث يتصوره كمنبر يظهر أهمية العلاقات الاجتماعية، بخاصة في عالم التصنيع المفرط، وفي عالم الرأسمالية، والتغير البيئي.
من الهند، الأكاديمي شاني جهافيري يجلس مع بريم ساهب المتخرج مؤخراً من الأكاديمية الملكية بلندن، عشية معرضه الفردي الأول في مومباي ليناقش معنى الحميمية وروح التجمع الحاضرة في تركيباته التبسيطية، ولوحاته الجدارية المستوحاة غالباً من النوادي الليلة وتنقله بين الغرف.
وأخيراً فإن قيمة المتاحف المستقلة المقيمة في بكين تيفاني بيريس تناقش فن سن شون الذي يظهر عمله على غلاف هذا العدد، فاليوم يعتبر سن شون واحداً من جيل الفنانين النجوم الصينيين الذين صعدوا بسرعة بعد الثمانينيات، والمعروف بأفلام الرسوم المتحركة الرمزية والملغزة المستوحاة غالباً من مؤلفين مثل جورج أورويل وييفجيني زامياتين المشهورين بالهجاء السياسي للمجتمعات المستقبلية البائسة، وأيضاً تناقش بيريس مسألة استعمال الشكل الفني الصيني التقليدي بالحبر الذي يضفي نوعاً من الخلود على أفلامه الغامضة، منعكسة على عمله الحديث: ماذا حدث في عام التنين الذي يتضمن تجربة الخط العربي عند الفنان، تكتب بيريس: (المؤدى النهائي عندئذ لرسوم سن المتحركة ليس فيلماً تماماً، على الرغم من اعترافنا به، ولكن بالأحرى هي مخطوطات، عمل بصري إبداعي يغري بالتفاعل معه).
في ختام باب (شخصيات) ندرج مقالتنا الخاصة (داخل مجموعة بيرغر) حيث نقدم (حفر من أجل الفداء) للفنانة ناديا كعبي لينكي والباحث الاجتماعي تيمو كعبي لينكي، وهما يصفان مشروعهما الفني الذي له صفة البحث والذي يحفر عميقاً في تاريخ صالة قاعات الموزاييك في مؤسسة عبد المحسن قطان في لندن.
في باب (سيرة فنان) يتفحص المحرر العام في آرت آسيا باسيفيك إتش جي ماسترز سيرة غو ويندا الذي يدمج في أعماله الشعر البشري مع مسحوق المشيمة، ومن سيدني يتحدث المحرر المساهم مايكل يونغ مع الفنان الأوسترالي توني ألبرت الحائز مرتين جائزة الفن وجائزة بازل آرت برايز لعام 2014، وتيلسترا ناشونال أبوريجينا ومنحة توريس ستريت آيلاندرآرت بلندن، أما محررة غرب ووسط آسيا سارة رازا فتجري مقابلة مع جامع لوحات سعودي، وراعية الفنون بسمة السليمان.
في باب (مقالات) تتأمل محررة مكتب دبي كيفن جونز مسار لوفر أبوظبي في صياغة سرد فريدة من نوعها في الإمارات العبية المتحدة، ولدراسة الحالة يستكشف شين شين ياب قضايا حقوق النشر حول المجال الناشئ للإبداع الصناعي، ومن ميانمار نحلل قضية تخفيف قوانين الرقابة تحت قيادة الحكومة العسكرية الحالية.
وفي باب (حيث أعمل) لهذا العدد توجه المحرر جون جيرفيس إلى قرية يابانية هادئة في شبه جزيرة إيزو ليزور رسام المونوـها الفنان كيشيو سوغا، رسالتنا الإخبارية تأخذنا إلى نيو دلهي حيث يشرح محررنا المساهم جيوتي دهار كيف أن طول عمر المشهد الفني الديناميكي يعتمد على حشد دعم طويل الأجل للمبادرات التجريبية مثل رابطة الفنانين العالميين KHOG، وفي زاوية الموقف يناقش كيفين ميتشل العميد المؤقت للجامعة الأمريكية في الشارقة أن على المؤسسات التعليمية تثمين التجارب التحويلية لطلبتها وكلياتها، مثل الإبداع القائم على الاستديو زيادة على درجات الاختبار، وأنظمة المراتبية، وفي (وجه لوجه) الفنان لي وين الشهير بسلسلته يتحدث (الرجل الأصفر) عن إعجابه بالممثل الفنان جاسون ليم الذي ينتمي لجيل أصغر منه والذي يسميه (الساموراي الأخير) الذي يعمل بصبر غير معهود ويبدع رغم الاضطراب الداخلي وهموم الشباب، وسواء عن قرب أو من وجهة نظر بانورامية لحظية أو طويلة الأجل؛ فإن العديد من الفنانين الذين نقدمهم في هذا الإصدار يوضحون كيف يمكن للفن الذي ينبثق من الصراع أن يحول الفتنة وعدم الثقة إلى أشكال من التفاهم.