كما تتعثر ذاكرتنا التاريخية مرة تلو الأخرى؛ فإننا نحرّف كلاً من الماضي والحاضر إلى قصص أنيقة ومريحة، وأيضاً – من دون فهم الأصالة التاريخية – كيف يمكننا أن نتصالح مع الماضي الذي خذلنا بطريقة ما؟
في معرضها الفردي (Tabled) في صالة عرض سيلفرلينز في سنغافورة رثت الفنانة الماليزية يي آي-لان الآثار التي لا تمحى التي خلفها الاستعمار الأوروبي في جنوب شرق آسيا، كانت عملية الفنانة في إعادة استبصار الذاكرة قوية وغنائية، وهي متحمسة بعملها الحالي في فيلم وفي تصميم الإنتاج.
سلسلة يي (تصور السلطة)/ 2013؛ تضمنت صور كولاج مختلفة الأحجام لصور أرشيفية تصف الاستعمار بكل غطرسته، مستكملة بمواطنيها الدؤوبين البسطاء. تجمع يي كليشيهات مع المعنى الضمني التاريخي السلس. في صورها المتتابعة روح سينمائية مرحة، تنعشها إلى حد بعيد عناوين طريفة بحيث ينطبق هذا الحكم على كل اللوحات المشاركة: (عندما يراقب شخص خلسة عروضاً ليجمع ملاحظات، ويثبت نقاطاً من الصور ليظهر انعكاس طبيعته الخاصة)، وهذا العمل يصور مجموعة من المصورين رؤوسهم مغطاة، وطاولات طرازها أوروبي محمولة على أكتاف سكان محليين، وبعده العمل الفني (عندما تعطي شخصاً طرائق مشاهدة المسروقات والأرض والعمل، فيبني تواطؤاً مع محاولته للتبرئة؛ فيصبحان الآن شريكين في الجريمة)، و(عرض صورة لشخص محلي يبدأ إمعان النظر من خلال جهاز “المزواة”: مقياس الزوايا).
تختتم السلسلة بعملِ (عندما تكتمل حياة الشخص ويجعلك ذلك أيضا قادراً على أن تستغل وتخضع وتنفخ ذاتك في لعبتك الرائعة لمغامرتك الخاصة والممتعة)، مشتملة على كرسي مكتب، ونبات استوائي موضوع في آنية، وأحد السكان المحليين عارياً خارج النافذة. إن كل لوحة تنضح بالرمزية، وأكثر تلك الرموز قوة بالنسبة لـ يي هي “الطاولة” التي تقدمها كسلاح مبسط للإدارة الاستعمارية.
إن البقايا الآسنة لتراث بيروقراطية البريطانية والهولندية ما تزال تضعف ماليزيا إلى وقتنا الحاضر. فالسلسلة الكبيرة للفنانة يي (YB)/ 2012؛ عرض ساخر للمسؤولين الحكوميين الذين (ينفخون ذواتهم)، و(YB) هو لقب شرف محلي، وفي ظاهرة تعكس المشهد السياسي العنصري للدول ينخرط أولئك الرجال في مبارزةٍ كلُّ تفاصيلها مشحونة بالمعاني العرقية والاجتماعية السياسية.
يي تصور فنياً حيوات هؤلاء “الرجال الكبار” بملابس متنوعة، مركزة على فتحة قمصانهم الزنخة عند الصدر. عشر صور فوتوغرافية ملونة مرتبة في صف من الإطارات المذهبة غير المتناسقة، معلقة على ارتفاع عال بحيث تجبر المشاهدين على رفع أنظارهم نحوها إلى الأعلى، وبأسلوب تهكمي مبهر تقدم الفنانة يي هذه الفترة العابرة من تضخيم الذات على غرار أسلوب الرسم في هولندا في القرن الـ17.
العمل الفني (Study of Lamprey’s Malayan Male I & II)/2009؛ مأخوذ عن صورة من القرن الـ19 التقطها المصور الأنثروبولوجي الإنكليزي جي إتش لامبري الذي ابتكر مقياس الجسم ليميز بين الأعراق، وفي لوحة واحدة صورة من أرشيف لامبري رجل يبدو غير مرتاح، وعيناه تبحثان عن الطمأنينة بعيداً عن الكاميرا وهو يحمل “رمح شخص همجي”، إلى جانب صورة أخرى تعيد فيها يي رقمياً توثيق التاريخ من خلال منح “عينة” من وقفة الرجل الواثقة، مبعدة رمحه، منحة إياه قبضة مشدودة، ونظرة ثابتة. فيما اللوحة الثانية تنتقِد بشكل حادّ جرأة “فهرسة الهويات”، فتزيل يي “الرجل المالاوي”من الصورة، وتخلق صورة ظلية فارغة. تنظر الفنانة ذاتها تنظر إلى الظل، ويداها على وركيها في صورة شخصية جانبية، وعلى العكس فإن التركيب (Tabled)/ 2013؛ يخدم أفكار الهوية الوطنية لفترة ما بعد الاستعمار، فهناك 50 لوحة سيراميك محملة بصور جاهزة بظلال مختلفة مستوحاة من لون الفخار الأزرق، تصور لقطات شارع معاصر التقطتها الفنانة في ماليزيا وأندونيسيا. الناس في هذه المشاهد ورثةٌ مفترضون لعالمٍ العمل الفني (سلطة التصوير – تصور السلطة).
هذه صورة لمجموعة رجال تائهين ومشغولين للغاية، هم (زومبيو الظروف) كما تسميهم يي. النساء قليلات؛ حيث سيدة مسنة، وطفل رث الثياب، متّبعة منظور لامبري في الدراسة الإثنوغرافية المفاهيمية للأنواع، وقد صورت يي الرجل العصري في مسكنه الحضري في شرق جنوب آسيا.
يي لها مطالبها من الماضي، وهي تطوف المناطق حيث توجد بقايا السيطرة والاستغلال، وتجمع العينات في صور صغيرة، وبمصطلحات بصرية كان عملها الفني (Tabled) نعياً لحاضر شوهه ماضيه، وبشكل أكثر دقة، ويدل عنوان يي على أن احتمال الشفاء من هذا الماضي مؤجل، وربما إلى أجل غير مسمى.