عندما افتتحنا “آرت سبيس” سوق الفن المعاصر على الإنترنت؛ فوجئنا من كثرة أسئلة الأصدقاء والمستثمرين فيما إذا كان الناس حقاً سيشترون أعمالاً فنية عن طريق الإنترنت. بدا السؤال غير معقول بالنسبة لي. كنت أعمل في الإنترنت لأكثر من 18 عاماً، وعاصرت تغيره من الفترة الأولى (منذ أن كنا نحتاج إلى 10 دقائق لتحميل صفحة واحدة، وحتى اليوم عندما أصبحت شبكة الإنترنت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا).
إن مقتني الأعمال الفنية يشترون منذ أعوام الفن البصري غير المرئي، وعلى مدى عقود تنشر بيوت المزاد كاتالوجات مطبوعة وترسلها إلى المقتنين، لتتلقى عروضاً عبر الهاتف، وأصبحت صالات العرض تبيع الأعمال عن طريق صور ترسلها بالبريد الإلكتروني منذ أعوام. ونحن نشتري البقالة والسيارات والمجوهرات عبر الإنترنت، ونسجل أيام عطلتنا، وحتى أننا نجد أزواجاً في الفضاءالرقمي، ونحن بلا أدنى شك سنشتري فننا بذات الطريقة.
بعد أربعة أعوام نما “آرت سبيس” من فكرة إلى سوق عالمية للفن المعاصر، ونحن نعرف أن المقتنين يشترون عبر الإنترنت لأن الناس يفعلون ذلك كل يوم، إذ يوفر الإنترنت لنا وسيلة لشراء الفن أفضل بكثير من الكاتالوج المطبوع، أو الصورة المرسلة بالبريد الإلكتروني؛ لأنه يعرض لنا الأشياء للرؤية، والبحث، والقراءة، والاتصال بعالم الفن من الداخل.
ليس هدفنا تعطيل نظام صالة العرض، فالصالات تلعب دوراً أساسياً وحاسماً في حياة عالم الفنون عن طريق رعاية مهن الفنانين، وتقديم أمكنة مادية لهم ليعرضوا أعمالهم فيها، وتضمن أن المقتنين الأساسين والمتاحف سيشترون أعمالهم، كما أنها تدير السوق. هدفنا مساعدة الصالات والفنانين الذين تمثلهم من خلال توفير منصة رقمية لها، تعرض فيها القائمة الكاملة لأعمال فنانيها لأي وقت، وتوفير حلول التجارة الإلكترونية لبيع الأعمال، ونحن نعرض على المقتنين في كل أنحاء العالم إمكانية أن يروا ويشتروا الأعمال الفنية التي ليست بالضرورة أن تكون في متناول أياديهم بطريقة أخرى، ويمكن أن يكون المقتني في مدينة أخرى، أو في منطقة مختلفة التوقيت، وربما يتكلم لغة أخرى، أو قد يخاف السير إلى الصالة فقط، وهو شعور عام لدى المقتنين الجدد. نحن نريد اختراق الخلاف الموجود حالياً في سوق الفن، ونريد أن نسهل لكل من المقتنين القدامى والجدد الشراء والعيش مع الفن العظيم.
نحن نساعد المؤسسات الثقافية والمنظمات غير الربحية أيضاً، تلك التنظيمات التي تحتاج إلى مصادر دخل جديدة، لا سيما في الوقت الذي نشهد فيه – للأسف – انخفاض التمويل العام. حيث تقدم لها “آرت سبيس” منصة لتسويق برامجها، ولبيع أعمالها الفنية، وبالتالي فإن المنظمات حديثة الولادة تشكل دخلاً، وتوسع قاعدة مانحيها عالمياً، وبالإضافة إلى ذلك نحن ننشر طبعات محدودة، وطبعات كبيرة عن كبار الفنانين المعاصرين، لتذهب العائدات لدعم المؤسسات الثقافية والمنظمات غير الربحية، وقد عملنا مع عدو فنانين من بين مئات، أمثال: مثل فريد توماسيللي وأنجيل أوتر لدعم مركز لينكولن للفنون المسرحية في نيويورك، ومع مارسيل تزاما لدعم أكاديمية بروكلين للموسيقى، ومع خوسيه دافيلا لدعم “Los Angeles Nomadic Division”.
تعتبر المنصة الرقمية بالنسبة للفنانين مهمة إلى أقصى حد، وهناك فنانون يعملون اليوم أكثر بكثير مما يمكن استيعابهم في القائمة المحلية ونظام الصالة العالمي، وسواء كان عبر العلامات التجارية للسوق المفتوحة مثل "Etsy"، أو بوساطة وسائل الاتصال الاجتماعية مثل فيسبوك وتمبلر وإنستغرام على سبيل المثال لا الحصر؛ فإن الفنانين يكتشفون أن بإمكانهم أن يحشدوا وحدهم الجماهير ورعاة الفن، ومع أن اليوم قد لا يكون من الممكن لفنانين من خارج نظام الصالة التقليدية المشاركة في معارض في متحف نيويورك للفن الحديث، لكني على يقين إلى حد ما بأن هذا اليوم آت قريباً، وآنذاك سيجد فعلاً هذه الفرص.
ثمة إمكانية جديدة للمقتنين بأن يكتشفوا ويتعلموا ويشتروا الأعمال الفنية من الفنانين والصالات من كل أنحاء العالم، دون الحاجة لمغادرة بيوتهم، وأن تكون لديهم قدرة التأثير على المناخ البيئي في الفن بطريقة إيجابية للغاية. هناك معارض تقام حول العالم كل يوم، وإلى أن ينتشر الواقع الافتراضي على نطاق واسع؛ فإننا لا نستطيع أن نرى ونزور كل تلك المعارض. “آرت سبيس” يُحضِر المعرض للمقتني، ويتيح له شراء العمل فوراً ومباشرة. مما يوسع في السوق، ويجلب مشترين إضافيين، وهو ما يسهم بدوره في نمو عالم الفن.
إن الفن تجربة اجتماعية أيضاً، ومن المستحيل تكرار الطاقة الملموسة للمعرض الفني في العالم الرقمي إلى حد ما، لكننا نستطيع خلق نوع مختلف من الحماس على الإنترنت. فمع انفجار تبادل الصور عبر الهاتف المحمول باستعمال إنستغرام؛ أصبح ممكناً للفنانين وصالات العرض والمقتنين والمتحمسين مشاهدة ما يجري في عالم الفن عالمياً دقيقة بدقيقة، ومن المناسب وجود جيش عالمي مستقل من المصورين يعملون ليلاً نهاراً حول العالم.
إن الفن جزء أساسي من تجربة البشر، يتيح لنا الاتصال عبر التاريخ واللغة والجغرافيا والدين والجنس والإيديولوجيا، إنه لغة عالمية، ونحن نعتقد في “آرت سبيس” أن دعم الفنانين والمؤسسات التي تروج لهم يجب ألا يكون مقتصراً على القلة، بل لا بد أن يكون متوافراً للجميع، والمنصة التي أبدعناها في “آرت سبيس” ما تزال في مهدها، لكنها تملك تأثيراً فعالاً، وتوفر للفنانين المزيد من الوضوح، وتساعد صالات العرض في الوصول إلى جمهور جديد، وتجمع الأموال للمؤسسات الثقافية التي نعتمد عليها لنحافظ على المعارض، وننظمها لتفتح عيوننا على أفكار جديدة، وكي تغني حياتنا.