P
R
E
V
N
E
X
T

DING YI, Flying Stone, 2013, Metal frame and fake fur cloth, 42 pieces, dimensions variable. Installation view of “Ivory Black” at ShanghArt, Singapore, 2015. Courtesy ShanghArt, Singapore.

عاج أسود

Ding Yi

China Singapore
Also available in:  Chinese  English

الصليب رمز عالمي يمثل توجهاً مكانياً حقيقاً أو متخيلاً، وتقاطع محوريه العمودي والأفقي ربما يرسم الموجب/ السالب، الماضي/ الحاضر، المرئي/ اللامرئي. إنه يتضمن الجمع بين الثنائيات المتعددة أو المستويات، ويوحي إلى شكل إنسان بذراعين ممدودتين. إذا ما تأملناه قليلاً يصبح مثل حرف (X)، رمز المضاعف والإلغاء أيضاً، وهذه هي روعة الأبجدية المفاهيمية للفنان دينغ يي الذي يرسم بقلق شديد الصلبان بتجريدات مكانية من مدينته، بالإضافة إلى ذاته. 

دينغ واحد من أكثر الفنانين الصينيين الأوائل المشتغلين في الفن التجريدي تأثيراَ، يقيم في شنغهاي منذ وقت طويل، وهي بالنسبة له شاعرية، وعلى مدى حوالي ثلاثة عقود رسم مظاهرها الإيقاعية المختلفة من الداخل، ويكسوها في لوحته بكثافة بصلبان صغيرة. يصف دينغ شنغهاي أنها تجعله يشعر (بفقدان روحي) كونها ضارية، ونماذج صلبانه المتحذلقة تلطف شدة توهج المدينة وفوضى المناطق الحضرية، متيحة له استعادة حالة (هدوء) العقل المنفصل عن ظروف المدينة. 

سابقاً استعمل دينغ أدوات محددة لرسم لوحات شبكة صلبانه المبكرة الميكانيكية عن عمد، والآن يرسم آلاف الصلبان الدقيقة تقنياً بعمل يدوي مرهق، وبملاحظة كم هي رائعة لوحاته القماشية التي تعتبر ثمرة جهد كبير؛ فإنها تتأرجح بحذر بين التقنية الصارمة والمساحة الأدائية. وتجدر الإشارة إلى أن دينغ جرب فن الأداء في الماضي، وهو حقيقة استقصى وسائل مختلفة، بما في ذلك الورق، والطبع على الخشب، وبشكل أكثر كثافة شبكات قماش الترتان القاسي. إن قوة دينغ البصرية الفائقة تجبر المشاهد – بشكل قطعي – على ملاحظة الروابط في نماذج عشوائية، وقد وُصفت لوحاته التجريدية القلقة بأنها استحضار لمناظر المدينة المزدحمة، والإعلانات المضيئة، ومحاكاة رقمية للمدينة.

على أي حال لم تكن تلك المرجعيات البصرية الباهرة واضحة في معرض دينغ الأخير (عاج أسود) الذي أقيم في صالة شنغ آرت في سنغافورة، حيث عرض الفنان تركيباً واحداً، ومنحوتة واحدة، و11 لوحة من سلسلة عمله الطويل (مظهر الصلبان) الذي يشمل ابتهاله المستمر لشنغهاي، وفي هذا المعرض نشهد ابتعاداً عن فكرة دينغ المهيمنة المتكررة للشبكة المعقدة والحيوية، خاصة باستعماله في هذا العمل الأكريليك على نطاق واسع على القماش، فكلها تحمل عناوين مرقمة متماثلة (مظهر الصلبان)، وفي استخدامه مصفوفات لصلبان بالأسود العاتم والنيلي الغامق؛ اثنتان من تلك القطع، وهما: (مظهر الصلبان) 8- 2014، و9 – 2014، وهما حقلان ضبابيان من اللون، تبدوان مثل أنوار الشوارع التي يُنظر إليها من خلال الدموع، وهنا ما يزال دينغ يتحدى عين المشاهد لتوليد شكل من الأشكال، وفي هذين العملين حشد صلبانه داخل ذكريات باهتة من القماش المتقاطع الخطوط. ضربات فرشاة دينغ تتردد، وتحت تقسيمهما العمودي والأفقي؛ ثمة طبقات مكانية تبرق بنتف غريبة براقة من الأحمر والأرجواني والأخضر، وإذا ما نظرنا إليها من بعد فإن ضربات الفرشاة تكشف عن عمق، أما إذا تمعنا فيها عن قرب فإننا نجد أنها ترتعش بالحياة. كانت لوحات دينغ الأخرى في صالة شنغ آرت أكثر هدوءاً وإثارة للمشاعر بالكانفس المنسوج باليد والمهترئ تماماً. وعلى سبيل المثال يمثل (مظهر الصلبان) 13- 2012/ 2013؛ خلاصة القماش الياباني التقليدي كاسوري إيكات – قماش من ألياف مصبوغة صنعت خصيصاً لتنسج نماذج محددة – بهندسته الضبابية، وزخرفته البسيطة.    

إن تركيب دينغ (صخرة طائرة)/ 2013؛ هو عمل معاكس تماماً بطريقة ذكية لتلك الأعمال التامة بذاتها، وهو عبارة عن 40 حجراً من الفحم الأسود، لكل حجر أكثر من وجه، وهي ذات أحجام متفاوتة، ملصقة على سقف الصالة والجدران وكأنها هاربة من اللوحات بعد أن قطعتها ضربات الفنان الصارمة. تلك الشظايا المضطربة المغطاة  بفرو غير حقيقي؛ تأخذ لمعة فضية تحت أضواء الصالة، وهناك اضطراب مماثل يتردد في عمله (Pillar)/2014؛ وهو برج مزعزع مؤلف من كتل فولاذ، ومنصوب خارج الصالة.

يشير عنوان المعرض (عاج أسود) إلى الصباغ الكربوني، وهو المفضل لدى الفنان لشفافيته، ويصنع تقليدياً من العظام المتفحمة، وهذا التلميح غير المباشر لإحراق جثث الموتى يمكن أن يوحي بالشعور بالندم، أو بالشعور بالفقد أيضاً، ومن المؤكد إذا أخذنا بالاعتبار تجربته الطويلة لأعوام مع الألوان العنيفة والتجريدات الشديدة الهياج؛ فإن الشكلية التأملية الهادئة لأعمال دينغ في شنغ آرت كانت مثيرة للغاية، وقد تكون التغيرات العميقة في شنغهاي والألم والمعاناة هي ما دفع دينغ  أخيراً إلى انغزال هادئ، فربما لم يعد الفنان يعترّف على ملهمته.