نظام بيئة الفن في بكين مليء بالاضطراب والتشويه، علاوة على خفقانه بالتعقيد والحياة، وإذا كان الفن الطليعي في العقود السابقة قد جذب الاهتمام وحصل على شعبيته من خلال فضحه ونقده السياسة القمعية والإيديولوجيات التقييدية؛ فإن الفن الحالي يواجه تحدياً من نوع آخر، لأن عليه تحطيم أغلال السوق وتحقيق مكاسب مالية.
عندما تصبح سوق الفن: من مزادات، ومبيعات معارض الفن، والمجموعات الدائمة للمؤسسات الخاصة؛ هي التي تحدد أهداف الفنانين؛ تذهب كل جهودهم نحو إقامة شبكات اجتماعية وعلاقات مع القيمين والمشرفين على المتاحف، ويصبح تأمين حرية تعبير الفنان واستقلال رأيه أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
اليوم، وبسبب تزايد الإنترنت والتكنولوجيا المتجددة باستمرار؛ فقد تحولت وسائط الاتصال بشكل كامل، ولأننا نقضي كثيراً من الوقت في حياتنا في الفضاء الإلكتروني؛ فقد اتسعت كمية المعلومات التي نستطيع استهلاكها بشكل هائل. وعلى الرغم من نظام الحكم الشمولي في الصين؛ إلا أن تلك الظاهرة الرقمية كانت لها آثار عميقة. وبسبب التواصل مع الأدب والفن من كل أنحاء العالم يتم التلاقح بين الثقافة الصينية والثقافات الأجنبية، مما يجعل الرمزية "المحلية " – من أيقونات مثل: الزعيم ماو، وميدان تيانانمين، أو صور المعاناة بعد الثورة الثقافية (1966 – 1976) – تُهمل بعد الاستعمال المفرط في الفن الصيني المعاصر من بداية الثمانينيات إلى أوائل التسعينيات.
إن التطور في فن الفنانة البكينية يين شيوتشن يروي قصة معبرة، فأعمالها الأولى متجذرة في نشأة الفنانة في المدينة، وهي نتائج بحثها عن الإلهام الإبداعي، ومواد فنية من الحياة اليومية، مثل (صندوق الملابس)/ 1995؛ وهو عبارة عن جذع خشبي فيه ملابس نسجتها الفنانة بنفسها على مدى ثلاثة عقود، أو (العاصمة المحطمة)/ 1996؛ وهو تركيب من أشياء مدمرة جمعتها من مباني مهدمة في بكين حلت مكانها بنايات شاهقة.
من خلال إعادة استخدام مواد من الأماكن العامة أو من تجربتها الشخصية؛ تقدم الفنانة أعمالاً برائحة بلدها الأم وثقافتها المحلية، في حين أعمالها اللاحقة مثل (حقائب 1)/ 2000؛ (آلة الطيران)/ 2008؛ (طريق سريع)/ 2009؛
هي عبارة عن تركيبات تعتمد على قماش ثياب مستعملة، وهي مخلفات سفرها المستمر إلى بلدان في كل أنحاء العالم تزورها يين من أجل معارضها، فقد ألهمها قضاؤها وقتاً طويلاً في العبور أو في الخارج أهدافاً وتركيبات عكست انطباعاتها عن المدن، وعن فكرة المكان، وتحاكي تلك الأعمال الواقع الحالي للصين، ومكانتها في الساحة العالمية، وفي ذات الوقت تحتفظ بولاء الفنانة لوطنها ولخياراتها الفنية.
من أجل فهم أعمال يين، وأغلبية الفن الصيني المعاصر الذي ينتج اليوم؛ ليس ممكناً للمرء الاعتماد على التقسيم الاختزالي بصيغة “التقليدية مقابل الحداثة”، إذ نحتاج إلى منهج جديد أكثر دقة لفهم تلك الأعمال، منهجاً يأخذ بعين الاعتبار التناقضات المتفشية، والفهم المتشظي الناتج عن حركة الثقافة في العالمين الحقيقي والافتراضي، وعندئذ نأمل بأن يساعدنا التكيف الجزئي والاتصالات في معرفة وفهم المنتجات الفنية الحالية.
تملأ بكين الآن العديد من المتاحف الخاصة والمراكز والصالات الحكومية، والتي يميل معظمها لأن تكون في مبانٍ جيدة، لكنها تفتقر للمديرين القيمين، أو للإدارة المنهجية، إذ لم تسهم تلك المؤسسات في تصحيح الأزمة الحالية التي تعاني منها الساحة الفنية، وعوض ذلك خلقت تلك المنظمات شبكات باتت مواقع للترويج للسلطة والمنافسات المالية. إن الفنانين الذين ادعوا أنهم يرديون الانتقاد وكشف القناع عن أمراض المجتمع الصيني أصبحوا ضحاياه، وفي كثير من الأحيان أصبحوا جزءاً من تلك المشكلات والحالات التي يتنقدونها. إذ فقد أولئك “الفنانون” طريقهم التي باتت مشوبة بالسعي الحثيث نحو الشهرة والمال.
تشهد الصين تغييراً مفاجئاً، ومجتمع بكين – ومن ضمنه الساحة الفنية – دخل في رحلة التحديث المضطربة، وقد قذفت السياسات الاقتصادية القيم الدينية والإيديولوجية والأخلاقية إلى عالم ضبابي مسعور، وشوّهت القوى الرأسمالية العلاقات الاجتماعية والفعاليات السياسية والرغبة الإنسانية. ربما ستولد من هذه المنطقة الرمادية التي امتدت سريعاً أشكالاً جديدة من الفن النقدي.