توموو غوكيتا غير معروف بين المطلعين على الفن في طوكيو، فمع سحره الصبياني؛ هو اجتماعي لكنه متحفظ. يتحدث بصورة مستمرة عن حبه للبيرة، ورياضة المصارعة – وبصورة خاصة مباراة 1976 بين الملاكم الياباني أنتونيو إنوكي وبطل الملاكمة الأمريكي محمد علي.
يهتم غوكيتا بأغلفة الألبومات المسجلة بدل دراسة كاتولوغات الفن، ورسومات غوكيتا – البالغ من العمر 46 عاماً – هي لوحات تجريدية تصويرية على القماش، تلقى تقديراً في عالم الموسيقى والمجلات الصغيرة ذات التداول المحدود أكثر مما تلقاع لدى قيمي الفن في طوكيو وصالات العرض.
عندما قُدِّم معرض (السيرك العظيم) لأعماله الكاملة في آب/ أغسطس 2014، في متحف فنون كاوامورا ميموريال دي آي سي المرموق، الذي يبعد مسافة ساعة في القطار جنوب شرق طوكيو؛ فاجأ المعرض مجتمع الفن في اليابان. وفي تعليق عليه في صحيفة يابان تايمز؛ وصف الناقد تارو نيتليتون غوكيتا بأنه فنان جاد، لكنه اعترف أيضاً أن غوكيتا (مُتَجاهل من قبل عالم الفن الياباني).
خلال زيارتي لمرسم غوكيتا الذي هو بحجم مرآب صغير، وذلك في ختام معرضه الكامل الذي استمر أربعة شهور، روى الرسام بابتهاج كيف عاد لمشاهدة معرضه قبل عدة أيام، ووجد أنه كان يعج بالزوار اليابانيين الشباب المحبين للاستطلاع، قائلاً: (أخبرني مدير المتحف إن معجزة بالنسبة لي أن أعرض في المتحف)، وأضاف: (الشباب ليسوا جمهوراً طبيعياً في المتحف)، منوهاً إلى حقيقة أن المؤسسة تصبو أكثر نحو خبراء في الفن الحديث الأمريكي والياباني.
على الرغم من أنه لم يكن منبوذاً؛ إلا أن غوكيتا – في الغالب – كان مستهجناً من قبل مؤسسة الفن اليابانية في المقام الأول، وذلك بسبب عمله السابق كمصور. لكن لوحاته ساحرة بصورها الغريبة، وببراعته في الرسم.
تمكن غوكيتا من دمج عناصر السوريالية الكلاسيكية (أشخاص معزولون في مشاهد حلم شاسعة) بعناصر التعبيرية الجديدة في الثمانينيات، مع تأثير لتصميم الغرافيك الياباني في السبعينيات لتتبادر إلى الذهن لوحات تادانوري يكوو، ونفحة من تأثير البوب.
إن الأعمال المفضلة لدى اليابانيين محبي موسيقى الجاز، وجامعي الأعمال الفنية الأمريكيين؛ هي اللوحات المقدمة في إطار محدد من الألوان المائية، وأحياناً باللون الأزرق، وفي معظم الأحيان باللون الأسود واللون الأبيض، وأي تدرج من اللون الرمادي على القماش، وهم يميلون إلى التركيز على شخصية الإنسان.
بعض الموضوعات رسمت بطريقة واقعية، مثل لوحة (Celebration Time)/ 2011؛ والتي هي تصوير غامض لما يبدو أنه تجمع فتيات تحتفلن ليلاً، كاشفات عن أفخاذهن الممتلئة، والبعض الآخر كما هو الحال في اللوحات الأخيرة مثل لوحتي (Mystic Revelation) و(Torture)/ 2013؛ اللتين تشبهان التصوير الكاريكاتوري، أو مغطاة على نحو مفرط بضربات الفرشاة، وكلها آثار أشكال بشرية مطموسة.
كان في معرض كوامورا العديد من أعماله التي رسمها عام 2014، والتي تبرز ميله إلى التجريد المفرط، ففي لوحة (Kushiyaki Class Reunion) ستة أشكال سمينة تشكل تكويناً خطياً، في حين يظهر في لوحة (Bodyguard)/ 2014؛ شخصية معالمها غير واضحة بغرّة قصيرة ونقطتين صغيرتين مكان العينين، أم أنهما فتحتا الأنف؟ معلقة بشكل هزيل على غصن رمادي داكن.
عندما يُسأل غوكيتا فيم إذا كان أسلوب رسمه هذا يشير إلى السوريالية والتجريدية بصورة مقصودة؛ فإنه يصر دائماً على أن لا علاقة له بذلك. وفي مقابلتنا في نوفمبر الماضي؛ أوضح لي بتمعن وتركيز فكري وهو يحتسي البيرة الباردة: (أنا أرتجل، وفي النهاية يبدو العمل مثل هذه الحركات الفنية، لكني لا أتقصد أن تكون كذلك)، وبدل ذلك يصر غوكيتا على أنه يرسم ما يخطر في باله عندما يجد أنه أمام القماش الأبيض.
بعض النقاد وصفوا أعماله بأنها ما بعد المفاهيمية، لأنها تفتقر للمفهوم الممكن إدراكه، ويمكن أن يوضح هذا الرأي أسباب الميل للانتقاص منه في طوكيو، وفي ذات الوقت يلقي الضوء على أسباب شعبيته المتزايدة، وبصورة خاصة في الولايات المتحدة.
غوكيتا الحذق يتمتع بتجنب الإجابة عن الأسئلة التي تدورحول عمله، ويفضل أن تكون الإشارة إليه كفنان (علم ذاته)، إلا أن هذا ليس واقع الحال، فقد نشأ في تشوفو – إحدى ضواحي طوكيو للطبقة الوسطى – وما يزال يعيش فيها الآن مع زوجته وطفليه على مسافة من قصيرة من منزل طفولته ومرسمه، حيث كان والده مصمم “دينتسو” مؤسسة وكالة الإعلان الأكبر في اليابان عام 1991.
عمل والد غوكيتا في السبعينيات لحساب مجلة (Playboy)، مصمماً صفحات إعلاناتها، وقد اكتشف غوكيتا مؤخراً أن والده عمل مع المصور الفوتوغرافي الياباني الشهير نبويوشي أراكي أيضاً.
عندما كان ولداً صغيراً؛ رأى غوكيتا أعداداً من المجلة المثيرة للشهوة في غرفة معيشة العائلة. ويصف والده بالرجل المنفتح، ويتذكر أنه كان يشجعه على مشاهدة المجلة، ويقول بابتسامة شيطانية نقلاً عن والده (لأن النساء جميلات).
قانونياً ممنوع في اليابان أن تنشر المجلات صور عري كامل من الأمام، لا سيما الأعضاء الجنسية. العديد من تلك المجلات الكلاسيكية المثيرة التي صدرت في الستينيات والسبعينيات، والتي يصفها بـ (المؤثرة) بقيت في ذاكرته، وكانت بمثابة مصادر مواد أعمال غوكيتا الأولى كمصور، وفيما بعد كرسام.
في الأوقات التي يقلب فيها صفحات مجلة (Playboy) كان غوكيتا يلعب غالباً في الطين، أو بنماذج من البلاستيك. لكن غالبية طفولته قضاها في الرسم، وهو الذي تعلم الـ"كانجي" الحروف الصينية المستخدمة في اللغة اليابانية، وهو الموضوع الوحيد الذي كان يستمتع به في المدرسة، بسبب استمتاعه بحفظ المعلومات البصرية كنظام الخطوط المحددة للأشكال المكتوبة المركبة.
ولأن غوكيتا لم يكن ميالاً للدراسة الأكاديمية، فقد التحق الرسام الشاب بمعهد محلي لتعليم الفنون عام 1988، معترفاً بتواضع أنه لم يكن معهداً مرموقاً، إنما كان معهداً يقبل كل من يتقدم بطلب تسجيل، وفيه جرب الرسم الزيتي بتدرجات واسعة للألوان، وقد سألته فيما إذا كان يحتفظ بأي من الأعمال التي رسمها في مدرسة الفنون، فأخرج باستمتاع لوحتين قماشيتين من تلك المرحلة المبكرة، ومع أن لا يمكن تمييزهما مباشرة كعمل لغوكيتا الآن؛ إلا أنهما تحتويان على عناصر من الخيال، وهما بعيدتان عن أعماله ذات تدرجات اللون الرمادي الذي اشتهر به.
في أولى لوحتي البدايات يظهر في القسم الأعلى من اللوحة رجل ملتح، عاري الصدر وقوي البنية، يرتدي سروالاً فضفاضاً خاكياً، مع حذاء أديداس أبيض، وممسكاً بمذراة. وهو يقف إلى جانب قناع قَبَلي وصورة جمجمة، وفي الفراغ الداخلي قناطر لا نهاية لها، بما يذكر بأعمال الفنان الهولندي إيشر، والقسم الأسفل من اللوحة مطلي برقعة من الأزرق الملكي، وللوحة إطار ذهبي مبتذل من طراز الباروك. يعترف غوكيتا أنه هو الذي اختاره.
واللوحة الثانية الأصغر تظهر وجهاً شبحياً باللون الأحضر الغامق، يتداخل مع صورة امرأة أخرى تسند رأسها بيدها، هذان الوجهان الغوليّان محاطان بدوامات من الأخضر والقرنفلي والبرتقالي الفاقع، وكلتا اللوحتين مقدمتان بصورة ساذجة، ويمكن بسهولة أن تزينا غلاف أحد الألبومات المبتذلة لبروغ روك في السبعينيات أمثال فرانك زابا، مايك أولدفيلد، أو بينك فلويد.
كانت الموسيقى أفضل بوابة لغوكيتا إلى الفنون الجميلة، فبعد عامين في معهد الفنون ترك الدراسة عام 1990، واتبع خطى والده كمصمم غرافيكي، فبدأ مصمم نشرات ناد ليلي.
موسيقى الروك الصاخبة جاء بها القادمون من الخارج الذين حظوا بشعبية كبيرة في اليابان في التسعينيات والألفيتين، وكانوا يعزفون أغلب الأحيان في طوكيو، وقد تمكن غوكيتا من خلال بعض أصدقائه في مجال الموسيقى من مقابلة موسيقيين خلف الكواليس أثناء جولة لهم في اليابان، ونيجة ذلك وعندما تدفقت الدعوات عليه من موسيقيين تجريبيين أمريكيين مثل جيم أورورك، ثورستون مور، والفرقة المبتدئة ديرهوف؛ وافق غوكيتا على أن يصمم غلاف ألبومهم المدمج، وعلى الفور بدأ يتوسع عمله إلى حملات إعلانية لمراكز الأزياء اليابانية الطليعية مثل (Final Home) لكوسوكي تسومورا، وتاغو أرشيفيس، إلى جانب حملات لمجلات ثقافة وأنماط حياة، من بينها (Barfout) و(Tokion) التي توقفت عن الصدور.
على الرغم من نجاحه؛ ترك غوكيتا التصميم، وعاد إلى الرسم في التسعينيات، ومع أنه وضع بصمة قوية في عالم الأزياء والموسيقى إلا أنه وجد أن مقابلة الزبائن والطلب منه تعديل عمله هي مسألأة مملة على نحو متزايد.
كان غوكيتا يعمل أحيانا للموسيقيين والشركات مثل (Tokion) و(Toga Archives) اللتين تعطيانه حرية تامة، وقد شرح كيف كان يكافح أثناء فترته الانتقالية كحلٍّ لبعض مشكلات السيولة النقدية.
اختار غوكيتا لونين فقط؛ لكن ذلك تحول إلى تكتيك أتقنه، وذلك باكتشاف الفروقات والتدرجات التي لا تنتهي بينهما. (عندما كنت أتعامل مع اللونين الأبيض والأسود على لوحتي كنت متفاجئاً بحجم جمال التدرجات الموجودة فيهما). كان ذلك امتداداً طبيعياً لحبه للرسم، الجنس الفني الذي أكسبه بدايته الإبداعية.
دخل غوكيتا دوائر الفنون الجميلة عام 2000 عندما طبعت دار الناشر اليابانية (Little More) 3000 نسخة من كتابه (Lingerie Wrestling) الذي حقق شعبية واسعة، ونفدت نسخه بسرعة، واليوم تباع النسخة المستعملة منه ببضع مئات من الدولارات. والكتاب الذي جاء بحجم دفتر المذكرات يعرض 190 صفحة لثلاثة أشكال من الرسم: مزيج محير من الفحم والحبر، كما يصور الفتيات والغوريلا ورجال العصابات، والمصارعين أبطال رياضة المصارعة الحرة المكسيكية (lucha libre) التي يرتدي فيها المتصارعون أقنعة ملونة، وعلى اللاعب الخاسر أن ينزع قناعه نهاية المباراة، ويصور الكتاب كذلك أجهزة كمبيوتر قديمة وسيارات وأجهزة فيديو مع خربشات ونماذج بصرية ونصوص باليابانية والإنكليزية، وكلها تقريباً تميزت ببصمة أصابع غوكيتا المغطاة بالفحم، لتعطي القارئ الإحساس بحميمة تقليب الصفحات، وكأنها النسخة الأصلية من كراسة الفنان.
فكرة وضع رسوماته في ملف واحد كانت بعيدة عن تفكيره عندما كان يعبث، لكن كان من الجيد أنه طبع لوحاته، لأن كتاب (Lingerie Wrestling) أطلقه إلى نطاق عالم الفن في نيويورك.
أقيم معرضه الفردي الأول في اليابان في صالة باركو في عام 2000، وقد عرض صفحات من كتابه، وكانت كل لوحة مسعرة بـ 30000 ين ياباني، أي ما يعادل 300 دولار أمريكي آنذاك، لكن لم تبع أي لوحة منها.
الفنان تايلر ماكيمينس شريك الفنان الياباني ميساكي كاواي، والمعروف بلوحاته النفسية، وتماثيليه المصنوعة من عجينة الورق؛ عثر على نسخة من ذلك الكتاب في مكتبة متحف نيويورك الجديد، ثم دعا غوكيتا للعرض في المعرض الجماعي (Stranger Town)/ 2005؛ برعاية (McKimens) في مركز (Dinter) للفن التشكيلي في تشيلسي، وقد كان موضوع المعرض الفنانين الأمريكيين واليابانيين الذين تميزوا في مجالات أخرى، وفي تخصصات مثل التصوير والموسيقى، وحتى التزلج، والذين شعر (McKimens) أنهم يستحقون اهتماماً أكبر في عالم الفن.
في تعليق كتبته روبرتا سميث عن المعرض في صحيفة نيويورك تايمز مدحت المصور الياباني رغم أنه غير معروف، قائلة: (أحد أعمال المعرض الرفيعة هو جدار مذهل مكرس لرسومات بالفحم والحبر وقلم الرصاص لتوموو غوكيتا… إن تعبير السيد غوكيتا الفني عبر التصوير والإباحية والتجريد ورسوم الأطفال والخط، مع السيطرة الكاملة والسطوح المخملية والتدرج المتناغم يخلق شعوراً بأن اللونين الأسود والأبيض يبدوان وكأنهما لونان حيّان).
ليس كما حصل في اليابان؛ فقد بيعت كل لوحاته تقريباً في (Stranger Town)، بعد ذلك كان التجار الأمريكيون مثل جيفري ديتش من نيويورك، وبيل برادي من كنساس سيتي، وهونور فريزر من لوس أنجلوس قد دعوه للمشاركة في معارض جماعية وفردية في صالاتهم.
في عام 2008؛ تاكا إيشي مؤسس إحدى الصالات الرئيسة في طوكيو، والمعروف بصورة خاصة بالتصوير الفوتوغرافي الياباني للفن الطليعي، أضاف غوكيتا إلى قائمة صالته، قائلاً: (جذبني التباين الرفيع في لوحات غوكيتا أحادية اللون، ومحتواها الذي ليس من تراث السكان الأصليين في اللوحات والرسومات).
استمر بيع أعمال غوكيتا بسرعة في الولايات المتحدة. صوره لنساء باللونين الأسود الأبيض وجوههن مطموسة بأشكال بعضها هندسية والبعض الآخر مثل عقد دودية تبدو أنها مصنوعة من المطاط؛ تحظى بشعبية خاصة، إلى جانب لوحاته التي تصور المصارعين والنقانق، وغيرها من موضوعات الفن الهابط، فهي تُطلب من قبل مقتنين من كل الولايات المتحدة واليابان، والعديد من تلك اللوحات نُفِّذت أساساً بقلم رصاصه، واسكتشات الحبر.
ما يزال يحب الرسم؛ حيث يجد "الراحة"، كما يميل لنسخ صور موجودة في أفلام قديمة، وفي مجلات المصارعة التي تباع في مكتبات بيع الكتب المستعملة، لكن مع مرور الوقت انتقل غوكيتا إلى صناعة الفن باعتماده على الرسم الحر، من دون مساعدة من أي رسوم أولية.
ربما بسبب ذلك أصبحت لوحاته الأخيرة مرنة وأكثر تجريداً، وقد أخبرني: (إن الرسم بالنسبة لي مثل الرياضة). يتفاعل غوتيكا مع القماش بشكل حدسي بدلاً من التخطيط المنهجي لرسم لوحة أو لنقل لوحاته من صورة، وبحلول عام 2008 عندما انتقل عمله بشكل حاسم نحو اتجاه تصويري؛ بدأ يعتمد بصورة أقل على إدخال رموز يمكن التعرف عليها من مصادر مواده التي يحبها. لقد أبدع لوحة (شهر عسل ممل)/2008؛ بمسحات كل تدرجات اللون الرمادي التي تصور نساء عاريات يرتدين ملابس السباحة بقياسات كبيرة للتشمس، وبرؤوس بشكل خلية النحل، وأجسام مستديرة، يجلسن بشكل غير مريح على شاطئ جنباً إلى جنب مع قنينة زجاجية وكتابين، وفي لوحة(inister Exaggerator)/ 2008؛ يتعامل غوكيتا بشكل ساحر مع اللونين الأسود والأبيض ليبدع اللمعان المتلألئ فيبدو وكأنه أمعاء غليظة، فيما تندرج أعضاء جسدية أخرى في سلسلته الزرقاء والبيضاء للوحاته منذ عام 2009، مثل (This Misunderstanding) و(Sooth)، بأشكال مثل الطحال والكلية، ولأن غوكيتا انتقل بعيداً عن المباشرة في الرموز البصرية، ويتجنب التعليق على معنى أعماله؛ فليس من المؤكد فيما إذا كان تشابه تلك الأشكال المجردة مع أعضاء جسم الإنسان مقصوداً، أم جاء مصادفة.
على الرغم من الأشكال التي تشبه أعضاء الجسم لا تظهر في لوحاته الحالية؛ إلا أن شكل المرأة على الأرجح لن يختفي أبداً من عمله، نظراً لحبه لهذا الموضوع. وفي حين أن لوحاته الأخيرة عن النساء مثل (Bathing Beauty) و(Showgirl)/ 2013؛ ما تزال تلمح لفتيات الاستعراض الهزليات والجذابات والمصطنعات أيضاً من حقبة ماضية، إلا أن تلك الأعمال خالية من أي تفاصيل واقعية، وبدل ذلك انتقيت الأشكال بمساحات خارجية للونين الأبيض والأسود، خالقة أصابع وشعراً ولفتة خجولة ليد أو لتقوس حسي لفخذ امرأة.
وعلى الرغم من أن غوكيتا كرر القول في مقابلة منشورة معه بأن ليست لديه أي فكرة عن سبب رغبته في رسم النساء وخاصة اللواتي يرتدين زي الأرانب (مرارا وتكراراً)؛ إلا أن شكل جسد الأنثى أتاح له فرصة التعبير عن جماليته السوريالية. إن شخوص غوكيتا تتحور في رسوماته سواء لتصبح محجوبة جزئياً أم مموهة كلياً، خاصة في وجوهها، مثل أقنعة مصارعي المصارعة الحرة المكسيكية، وتكسب هيئة خيالية تمنع المشاهدين من الاستمتاع بالنظر إلى الوجوه، وتلهب خيالهم في الوقت ذاته.
بينما تبث الشخوص طاقة سريالية وشبقة؛ فإن الوجه الآخر من أعمال غوكيتا يمحو الأشكال الإنسانية، وهو ميل ينمو في أعماله منذ عام 2008، رغم أن المرء يمكن أن يرى علامات بداياتها في (Lingerie Wrestling). وقد كشف معرض (Great Circus) تماماً عن اقتراب غوكيتا من التجريد، بما في ذلك العرض (#1–30)، وهو مجموعة لوحات لم تعرض سابقاً تعود لعام 2003، رُسمت بالحبر الهندي وبقلم الرصاص والحبر السائل والكريون، وتبدو تلك الأعمال ذات الحجم الواحد ميكانيكية، ومليئة أيضاً بالتوتر العاطفي، كما لو أن آلة ذكية صناعية كُلفت بإبداع الفن، وكلها تقريباً أحادية اللون، أسود حار عميق، والرسوم مغطاة بدرجات متفاوتة من الخربشات والدوائر واللطخ، وبعض الأعمال في السلسلة، ومن بينها النصوص أو التلميحات الغامضة لملامح وجه تمت تغطيتها بشكل كبير أو شطبت، بينما بقِّعت أعمال أخرى بعلامات كأنها أشكال هندسية أو شيئ يقترب من الهيروغليفية. وعندما سئل عن تلك المجموعة غير العادية من أعماله المبكرة؛ قال غوكيتا: إنها من الأوقات الصعبة في حياته عندما كان يتصارع مع هويته، هل هو مصمم أم رسام؟ ولم يكن آنذاك يستطيع فعل ما يريد، لذلك ترك نفسه طليقة في نوبة ارتجال.
إن رسومات غوكيتا الجامحة تصحح الفكرة الخاطئة التي تصوره بشكل تبسيطي كمصمم غرافيكي، وقد نجح في العبور من تصميم قمصان وأغلفة الأقراص المدمجة إلى الفنون الجميلة.
ولأن غوكيتا اعتاد على عدم تقديره ممن يحيطون به؛ فإنه لم يهتم بالمشهد الفني الياباني الذي لا يزال يصنفه بشكل أساسي كفنان غرافيك بسبب محتوى أعماله، أو لتجاهل غوكيتا الواضح، وبتحديد أكبر بسبب خلفيته في التصميم، وشعبيته داخل الجماعات الثقافية المحلية، وهو ليس أول فنان يعترض عليه عالم الفن في اليابان على الرغم من النجاح التجاري في الخارج والقاعدة الشعبية بين الشباب اليابانيين، فقد تم تجاهل تاكاشي موراكامي، وماكوتو آيدا، ويوشيتيمو نارا، وبعضهم ما يزال تجاهلهم مستمراً على نطاق واسع من قبل بعض جماعات المشهد الفني الياباني التي لا تحترم الممارسات الإبداعية التي تتمثل في: (أوتاكو – المهووس والعبقري)، و(كوواي كاواي – الغريب اللطيف)، أو (كوواي – اللطيف) كفن للسوق الخارجية، وعلى أي حال فإن غوكيتا – وخلافاً لبعض معاصريه – نادراً ما روّج أيقونة “اليابان الرائعة” الأنيم أو المانغا، كما أنه لا يملك معملاً لمساعدين ينتجون له كميات كبيرة من الأعمال. وبدل ذلك ركز على تجربته الشخصية في الرسم، وكيف يحرك الطلاء على القماش بدهاء ومحاكاة بتكتيكات الرسم يستطيع إنتاج ما لاينتهي من سلالم التدرجات والأساليب، مثل تلك الموجودة في رسومه التجريدية من عام 2003.
يبدو غوكيتا غير منزعج لأنه لا يحتضن تماماً من قبل المؤسسات الفنية اليابانية، ويوضح ذلك دون أي تلميح لغطرسةِ كيف كان أكبر شرف له إعطاؤه فرصة إقامة معرض فردي العام الماضي من قبل ماري بون في صالة عرض نيويورك التي ناصرت فناني الثمانينيات جوليان سكنابل وإريك فيسكل وديفيد سال، الذين قرأ عنهم أثناء مراهقته في الكتب والمجلات.
في الواقع وخلافاً لموراكامي وآيدا ونارا الذين نوهوا برسوم المانغا والنيهونغا كمصادر لأعمالهم؛ فقد أخبرني غوكيتا أنه كان جيل من انطباعيي نيويورك الجدد، الذين تجمعوا حينها حول صالة ماري بون التي تركت فيه الانطباع الأكبر خلال أيام دراسته في معهد الفنون. وربما لهذا السبب يستمتع جمهوره داخل اليابان – ثقافة الشباب وأولئك الذين في الخارج وعالم الفن العالمي – بلوحاته أحادية اللون، ذات المقدار الضئيل من الفن الغربي الهابط، الممزوج بنداء التجريد الذي لايعرف الحدود، ومن المؤكد أن لوحاته عن مباريات المصارعة مثل (Half Nelson Courtship)/ 2012؛ هي طريفة وجميلة في ذات الوقت.