أقام متحف برشلونة للفنون المعاصرة معرض (قلق الماضي/ روايات وأشباح من المعرض العالمي لنصرة فلسطين. 1978)، وقد استوحي من المعرض المشار إليه في العنوان. حيث نظم عرض 1978 في بيروت من قبل منظمة التحرير الفلسطينية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وتم عرض أعمال لـ200 فنان من 30 دولة تقريباً، واستمر فترة أطول من الفترات المخصصة لأي معرض في العالم العربي، مع الإبقاء على عنوانِ حدثِ 1978 الذي دُمِّر أرشيفه أثناء الغزو الإسرائيلي لبيروت عام 1982. منظِّمتا المعرض رشا السلطي وكريستين خوري استعملتا (قلق الماضي) النسخة النادرة من كاتالوغ المعرض الفلسطيني كنقطة بداية لاستعادة المحادثات المسجلة، وصفحات من منشورات عن المعرض، والحديث مع شهود، واتصالات رسم بين الرباط في المغرب، وسانتياغو في تشيلي، وباريس وبيروت. كان (قلق الماضي) تجسيداً ذكياً عن التضامن وكيف كان ينتشر عبر العالم بين الستينيات والثمانينيات.
استوحي (المعرض الفني العالمي لنصرة فلسطين) من متحف المقاومة العالمية لسلفادور أليندي، الذي أعيد تأسيسه في باريس من قبل فنانين تشيليين في المنفى بعد الانقلاب العسكري الذي حدث عام 1973، وأسقط الرئيس التشيلي سلفادور أليندي الذي سميت باسمه المؤسسة.
ذهب أولئك الذين شاركوا في تنسيق المتحف ليعملوا على المعرض الفلسطيني في بيروت، إضافة إلى معرض (الفن من أجل شعب نيكاراغوا) الذي افتتح في ماناغوا عام 1980، و(فنانون من العالم ضد التمييز العنصري) الذي عرض نشاطات أقيمت في فرنسا في الثمانينيات.
ومن خلال عرض مواد متعلقة بتلك المتاحف التضامنية والمعارض والتجمعات؛ يطرح معرض (قلق الماضي) سؤالاً حول المقاومة التي ما تزال إطاراً لمناقشات الفن في أيامنا الحالية، مثل: هل ينبغي على المثقفين أن يثوروا؟ أو هل يجب عليهم أن يكونوا حلفاء للثورة؟
في مقابلة على شريط فيديو عرض من ضمن مواد متحف المقاومة العالمية من أجل سلفادور أليندي يدّعي الروائي الأرجنتيني جوليو كورتازار أن: (العمل لا يحتاج أن يكون “محتواه” ثورياً، فالعمل الثوري ينجز الثورة من خلال تشظي اللغة).
هل يؤدي القيّمون تنفيذ تشظي اللغة مع (قلق الماضي)؟ تمثلت إستراتيجيتهم في العرض بشريط الفيديو بلا عنوان عن المعرض، مستوحى من رسم الخرائط كطريقة في الأرشفة، وتظهر اللقطات دوائر رسمتها القيّمتان حول متاحف التضامن والمعارض المذكورة أعلاه، وربطها مع بعضها، والكتيبات ذات العلاقة، والأفلام، والأعمال الفنية،والفنانين والمجلات التي كانت معروضة أيضاً في متحف برشلونة للفنون المعاصرة. بينما أخذت ذكريات الفنانين الذين شاركوا في معرض فلسطين شكل ومضات مسقطة على الجدار.
المجلات مثل (عصابات لغوية) ومجلة (أنفاس) المؤيدة للفلسطينيين اللتين كانتا تصدران في الرباط ثم حظرتا عام 1972 كانت مطبوعة على القماش ومعلقة في السقف، كما قدمت الملصقات، مثل ملصقات الفينيل، بينما عرضت الصور الفوتوغرافية كنسخ فوتوغرافية عن الأصل، ويذكر هذا الاقتطاع من مصدر الأرشيف الأصلي بطرائق العمل الجماعي الأمريكي اللاتيني (Red Conceptualismos del Sur ( أو شبكة المفاهيمية الجنوبية، والذي “أعاد” كتابة تاريخ الفن المفاهيمي مع إعادة إنشاء الكثير من الأرشيفات في أمريكا اللاتينية التي محتها الديكتاتوريات العسكرية، والعنف الاستعماري على نحو مماثل.
لسوء الحظ لم يكن معرض (قلق الماضي) كافياً لتحليل نطاق واسع من التضامن، وتحويله إلى خطاب إعلامي حول حقوق الإنسان في الثمانينيات والتسعينيات، وهو الذي خلق مسافة بين نشطاء الفن والمثقفين، وبين “الضحايا” الذين لا صوت لهم، وبالنسبة لأولئك الذين كانوا نظرياً يدافعون عنها.
الغياب التام للأصوات الحالية من الفلسطينيين ألقى بثقله الكبير على معرض متحف برشلونة للفنون المعاصرة، وهو يثير عدم وجود ذكر في النص التنظيمي للعنف الاستعماري الذي ما تزال تعاني منه الأراضي المحتلة، والسؤال فيما إذا كان المعرض يتضامن أم لا مع فلسطين الوقت الحاضر.
إن الافتقار إلى جواب واضح جعل معرض متحف برشلونة للفنون المعاصرة نوعاً من الحنين، حتى انتهى به الأمر بالرجوع الأبدي إلى باريس 1968، عندما كانت صور الانتفاضات الطلابية والماوية الأوروبية والنشطاء الأشداء تغطي على الثورات الأخرى الأكثر تهميشاً، مثل استقلال الجزائر عام 1962، وكفاح الحركة النسوية الاشتراكية في الهند، وغيرها من الحركات الأخرى.
من المؤسف أن أي أرشيف – بحكم الضرورة – يترك شيئاً لا يؤرشفه، وعلى أي حال، ولأن التدخلات الإقليمية للكيانات العالمية الكبرى – مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي – تمحو ذاكرة السياسات ما بعد الوطنية البديلة؛ فإن اقتراح السلطي وخوري لاسترداد تصورات الماضي كان مهماً.