لاحظ محررو آرت آسيا باسيفيك في السنوات الأخيرة تنامي ظاهرة أن المزيد والمزيد من الناس في عالم الفن اليوم يعملون في مجالات مختلفة إلى حد كبير. فنانون يصنعون أفلاماً طويلة، ومنتجو أفلام يزيدون مشاريعهم لتنظيم المعارض الفنية، وعلى سبيل المثال هناك مهندسون معماريون، ومصممو ويب، ومربو نحل يعملون كفنانين، وحتى الممولين يعملون كنقاد فن. ونحن في عدد تموز/ آب من آرت آسيا باسيفيك نتابع باهتمام الفنانين التشكيليين الذين يمارسون أعمالاً في مجالات متشابكة مع التخصصات الإبداعية الأخرى مثل الموسيقى والفلسفة والكتابة والتصميم أو ممارسة نشاط يمتد إلى ما هو أبعد من حدود عالم الفن.
نبدأ مقالاتنا مع العديد من تدرجات الرمادي في أعمال الفنان توموو غوكيتا المهووس بـالهوبو، ذو الشعبية والحضور في عالم الموسيقى والثقافة غير الرسمية، وقد زارت آرت آسيا باسيفيك المرسم المتواضع لغوكيتا عندما كان أول معرض لكامل أعماله في متحف كوامورا التذكاري للفن على وشك الانتهاء. هذا الفنان المرح ابن الـ46 عاماً كان مصورا ثمّ أصبح فناناً، يتكلم بتفصيل عن حبه للمجلات القديمة والمصارعة والرسم، وقد نقب عن بعض لوحاته القماشية التي رسمها أيام دراسته الفن، كما قارن وقوفه أمام القماش الفارغ بمواجهة خصم على طاولة البينغ بونغ، قائلاً: (إن كليهما يتطلب المزيد من الارتجال المركز إلى أقصى حد).
ينقب المحرر المساهم ميكائيل يونغ في حياة تشاو تشاو، وبطرائقه الفنية، الفنان الشاب الذي أعلن ذاته فناناً، والذي صور أفلاماً وثائقية حساسة سياسياً للفنان آي ويوي عندما كان يعمل ناسخاًعنده، واستمر بإثارة المشكلات منذ ذلك الوقت.
ولد تشاو في شينجيانغ عام 1982، وهو اليوم أحد أكثر الفنانين إنتاجاً في الصين، ويكشف يونغ كيف كان تطرفه الفطري يسطع، سواء عندما سرق تشاو بقايا أعمال الفن الشهيرة وصنع قلادة مكونة من 35 خرزة من شظايا بازلت 7000 سنديانة وقدمه كتركيب عرض للجمهور هذا العام في كاسل بألمانيا – وهو ما بدأه عام 1982 جوزيف بويس – أو عندما نشر تماثيل بوذا الحجرية القديمة إلى ألواح وأعاد تشكيلها في هيئة مكعبات صغيرة أنيقة تبدو مناسبة تماماً للمعرض.
وأخيراً ندرس الممارسات المثيرة الواسعة النطاق لرائد ياسين، والتي هي مزيج من وسائل الإعلام والموسيقى والصوت والكتابة والتركيب وصناعة الأفلام. فتدرس الضيفة المساهمة ستيفاني بيلي السيرة المهنية المثيرة لهذا لفنان اللبناني البالغ من العمر 36 عاماً، باعتباره موسيقياً تجريبياً بارعاً وفناناً تشكيلياً، وهو الذي يدير أعماله، من تأليف الموسيقى المرحة المرفقة مع وصفات طعام في كتاب (كتاب رائد ياسين في الموسيقى والطعام) المطبوع عام 2014، إلى سلسلته الأكثر شخصية (الرقص والتدخين والتقبيل) من عام 2013، وهي عبارة عن مطرزات وصور عائلية ليس لها أصحاب، وفيها يستكشف أفكار الذاكرة العالمية. بيلي تصف نهج ياسين بأنها مثل (عملية انتقال… تبدع إطاراً للتبادل بين الأشكال الثابتة لكن المرنة).
في ختام باب (مقالات)، وفي عمودنا الخاص (من مجموعة برغر) يجري الفنان والناقد والمربي قدوس ميرزا مقابلة مع الفنانة المقيمة في مومباي رينا كالات، فناقشا معاً استعمالها مواداً يومية عادية مثل الملح والأزهار والطيور لتكتب رسائل في رمال الشاطئ الهندي، أو لاختراع رموز هجينة جديدة من أجل إعادة توحيد الجيران، كطريقة اتصال بالجمهور في أسئلة حول الموضوعات السياسية مثل الحدود الوطنية والحقيقة التاريخية.
وفيما تبقى من مواد مجلتنا، يلتقي المحرر المساهم في آرت آسيا باسيفيك في باب (بروفايل) بالفنانة نيها تشوكسي في مومباي لمناقشة كيف تظهر المفاهيم الوجودية في عروضها وتركيباتها. كما تقابل محررة مكتب المجلة في مانيلا مارلين ساهاكيام وجينيفرلاغداميو الفنان فيليبينا باتريشيا بيريز يوستاكويو الذي تدرب على التصميم، لكنه كرسام حصل على جائزتين مرموقتين للفن الفيليبيني، وهما جائزة أنتونيو للفنون، وجائزة 13 فناناً.
وفي عشية معرضه الفردي الأول في هونغ كونغ قابل أماني فاسيليو؛ الياباني يوشيتومو نارا، وقد ناقش نارا الشهير برسومات الأطفال والكلاب المزعجة بأسلوب المانغا، وكيف أدى زلزال 2011 إلى تركيز أعماله الفنية الحالية على عدم ثبات الحياة، وفي ختام هذا الباب التقينا مع منظم المشاريع ديفيد تشاو المتحمس للفن، والمقيم في شنغهاي الذي ينجذب لشراء الأعمال الفنية، ولدعم مشاريع الفن التجارية.
في باب (مقالات) يعرض محرر مكتب آرت آسيا باسيفيك في دبي كيفين جونيس الجزء الثاني من ثلاثيتنا في استكشاف مشهد التطور الثقافي في الإمارات العربية المتحدة، ويركز هذه المرة على الرؤى الحيوية للمنظمات التجارية والمؤسساتية وغير الربحية التي تدعم التنوع الفني في دبي والشارقة وأبوظبي.
وفي العمل على الموضوع ذاته يكتب بول سيرفاتي دراسة في العمق عن الاسكيتشات الأخيرة بقلم الحبر السائل للرسام بالحبر واي بونيو من هونغ كونغ، تلك الاسكيتشات التي اعتمدت على زيارته لمعابد بوذية يابانية، ووسمت مسار الفنان الجديد في البحث الإنساني من أجل التسامح الاجتماعي والديني.
في باب (محور) يتحدث دورسي واكستر – يدير صالة عرض منذ فترة طويلة والرئيس الحالي لجمعية تجار الفن الأمريكية – عن التوجه المتزايد للاستهلاك الفني عبر الإنترنت، سواء تصفح الأعمال الفنية على الإنترنت، أو شرائها، ويجادل لصالح الحاجة إلى مشاهدة الأعمال الفنية عن قرب، أي بعيداً عن الإنترنت وفي العالم الحقيقي.
ومن بكين يعرض القيّم المستقل والناقد فينغ بويي في تقريره تشخيصاً شائكاً لحالة معاناة المشهد الفني في المدينة من حمى التسوق، وفي باب (وجه لوجه) يتذكر النحات الكوري الأمريكي المفاهيمي ميكائيل جو مواجهته المكشوفة للأعمال العبثية على مدى عقدين من الزمن للفنان المقيم في سيئول كيم بيوم، الذي أعطى في مشاريعه الأخيرة حياة للأشياء الجامدة، مثل الحجر وأباريق الشاي وأدوات المنزل.
وفي باب (حيث أعمل) تسافر المحررة المساهمة في المجلة تشين تشين ياب إلى جدة لتزور المرسم – المنزل للفنان أحمد ماطر الذي ساعد كجراح وفنان وقيّم في بناء مجتمع الفنون المحلية في المملكة العربية السعودية. إن حياة ماطر هي واحدة من القصص المتميزة في هذا العدد، والتي تكشف كيف أن تحول الهوية يبعث حياة جديدة في الأشكال القديمة.