P
R
E
V
N
E
X
T

ماذا يوجد هناك؟

United Arab Emirates
Also available in:  Chinese  English

القسم الثاني هو عبارة عن سلسلة مكوّنة من ثلاث مقالات حول أوضاع النظام البيئي للفن في الإمارات العربية المتحدة التي تبحث في تطور الكيانات التجارية، والمعاهد، والمؤسسات.

كان مناسباً  أن يكون عنوان المعرض النهائي الذي أقيم في دبي في الصالة التي استخدمتها صالة “الخط الثالث” لمدة تسعة أعوام (رمال الزمن). وقد تحدثت التأملات الفوتوغرافية للفنانة الفرنسية – من أصل جزائري – زينب سديرة عن تجارة السكر في كل أنحاء العالم، وعن التحولات المستمرة، وإعادة التوطين، والآثار الواهية التي تركها حضورنا العابر خلفه. 

أقامت صالة “الخط الثالث” في صناعية منطقة القوز قبل حوالي، وهي تستعد للانتقال إلى مكان واسع في حي مجاور لشارع السركال للفنون. كانت الذاكرة والتنقّل موضوعين حاضرين عندما كان يتم تركيب أعمال معرض (ذاكرة الزمن)، وكان ضيوفي للحديث في القسم الثاني عن المناخ البيئي للفنون في الإمارات يجلسون في قاعة تملؤها قواعد حجرية مغلفة وسلالم. 

كان هذا الشعور وكأنك “خلف الكواليس” الإطار المناسب لتبادلنا الحديث عن البيئة الثقافية للفن في الإمارات الذي له طابع أنه ما يزال قيد النمو، وقد جمعتُ من أجل هذا البحث الثاني أناساً يعملون في ثلاثة قطاعات مميزة وهي التجارة، والعمل المؤسساتي، والنشاط غير الربحي. وعلى الصعيد التجاري حضرت أنتونيا كارفر التي كانت شريكة سوني راهبر في تأسيس صالة “الخط الثالث”، وهي مديرة معرض دبي للفنون على مدى 9 أعوام. فيما مثلت مايا أليسون العاملين في المؤسسات، وهي الآن مديرة وكبيرة أمناء صالة فنون أبوظبي التي افتتحت في جامعة نيويورك، وجيوزيبي موسكاتيلو المدير الفني لمركز فنون مرايا الشارقة الممول من قبل الحكومة، والمتميز بتنظيمه عروضاً على مدار العام. وانضمت إلينا خلود خلدون العطيان المقيمة في أبوظبي من مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان التي تدير برنامج منحة سلامة بنت حمدان آل نهيان للفنانين الناشئين، فيما كان يمثل مؤسسة الشارقة للفنون الشيخة نوار بنت أحمد بن محمد القاسمي مسؤول الاتصال والعلاقات العامة في المؤسسة، واتبعت محادثتنا – بدون تنسيق -  تسلسلاً زمنياً، أي بدءاً من السابقين الذين أسهموا في الوضع الثقافي الحالي، وصولاً إلى محاولة فهم ما يمكن أن يكون عليه مستقبلنا القريب.

وكي نفهم وضع الأرضية الثقافية الآن؛ علينا العودة إلى وضع الإمارات خلال أوائل الألفينيتين، وإلى المؤسسة  الثقافية في أبوظبي، حيث افتتح المجمع الثقافي عام 1981 الذي كان يحتوي على أول مكتبة وطنية، وكانت تسود ثقافة المجالس، فافتتحت منتديات مرتجلة، ونقاشات نقدية كانت حيوية  حول الكتب والفن، وفي عام 2001 تأسس برنامج مسابقة الأفلام التي كانت منصة للمخرجين الإماراتيين وللمخرجين المقيمين في الخليج ودبي.

وقد قدمت “البدون” للنشر – مقرها نيويورك – تغطية ثقافية ممتازة، ويعود الفضل للمساهمين المحليين، ومن بينهم أنتونيا كارفر، وليالي الشعر والفن. 

افتتحت صالة “الخط الثالث” عام 2003 في فيللا بمنطقة الجميرا، وأتذكر تماماً زيارتي لها في مرحلتها الأولية، والفضاء المريح، حيث كانت لوحات فارهاد موشيري القماشية معلقة على جدار غرفة الجلوس. 

وقد رفع بينالي الشارقة مستواه إلى مكانة جديدة عام 2003، تحت إشراف الشيخة حور بنت سلطان بن محمد القاسمي وهي التي كانت متخرجة حديثاً من معهد سليد للفنون في لندن، والقيّم بيتر لويس.

تتذكر سوني راهبار : (غيّر ذلك البينالي كل شيئ) بنسخة عام 2003 (كان ذلك لحظة شعرت أن شيئاً ما كان يحدث). هذا ما اتضح في دبي، لم يكن يوجد إطاراً مؤسساتياً . وكانت آثار بينالي الشارقة تنمو على نحو متزايد، المعارض الإقليمية والدولية كانت قد طلبت في البينالي وضع فناني الإمارات في دائرة الاهتمام. وقد جاء ذلك بمثابة فرصة ذهبية لمعرض آرت دبي الذي انطلق عام 2006، وفي ذات العام افتتح كريستيز محلاً في الإمارات. أوضحت كارفر: (آنذاك كان هناك شعور بتطور البيئة. كنا جميعاً نعطي الثقة لبعض)، وكان الإبداع هو الشعار، وأضاف: (الشيئ المثير في مشاركتنا كان إعادة تصورنا لما يمكن أن يكون عليه المعرض أو الصالة).   

(Left to right) Sunny Rahbar, Maya Allison, Giuseppe Moscatello, Khulood Khaldoon al-Atiyat, Kevin Jones, Antonia Carver and Sheikha Nawar bint Ahmad bin Mohammed al-Qasimi, in the second of three conversations on the arts infrastructure in the United Arab Emirates, convened at The Third Line, Dubai, 2015. Photo by and courtesy Ekta Saran.

 إن إعادة تصور الصالة بالنسبة لراهبار تعني تطوير البرمجة إلى ما هو أبعد من صالة العرض، وتتذكر راهبار: (كان علينا أن نعمل كشركة، لكننا عرفنا أن ذلك لا يكفي. علينا أن نتشارك أيضاً. كنا نعرض الأفلام، والناس يأتون، وفي النهاية يبقون ويناقشون الأفلام). تلك الأرضية الطبيعية لاهتمام الناس دعمت المبادرات التي أصبحت الآن منظمة من قبل المؤسسات، كمنح الإقامات السنوية  في آرت دبي، وتمويل مشاريع الفنانين، وسلسلة منتدى العالمي لرعاية المحادثات والنقاش بين الفنانين. في حين يمكن أن تكون جذور “المشهد” الفني اليوم ممتدة عميقاً في العقدين السابقين، فإنها ما تزال عرضة لما تسميه كارفر (عقلية الغسالة) في مدينة سريعة التغير مثل دبي. وتقول بحسرة: (كنا نجري سريعاً في بداية الألفينيتين، حيث لم يكن هناك إدراك لما جاء من قبل. كان يأتي الناس الجدد ويقولون: تلك هي المرة الأولى التي يصنع فيها مثل هذا العرض أو العمل)، كان يتم التنظيم للعرض من دون أن يفكر أي أحد بأن ذلك في الواقع إنما هو مكمل لما جاء قبله). 

إن الاستمراية هي الأساس في عملية البناء الواسعة التي شغلت ليس دبي فقط؛ بل الشارقة وأبوظبي أيضاً. وإذا كان عمل المؤسسات أقل في دبي، فإن الصالات والمعارض قد تقدمت لتعوض عن ذلك، لكن جيرانها الذين يتمتعون بازدهار أقل اقتصادياً يروون رواية مختلفة تماماً. إن صالة أبوظبي للفنون في جامعة نيويورك التي افتتحت عام 2014  فريدة في الإمارات العربية المتحدة؛ فهي كمؤسسة ليست جامعة للأعمال الفنية، كما أنها ليست مكاناً تجارياً، فهي تشبه إلى حد كبير "Kunsthalle"، ما عدا أنها تنظم برنامج عرض أفلام تاريخية. مايا أليسون توضح: (تأملت بالأشياء التي ما يزال مجتمع الفن يحتاج إليها اليوم، فوجدت أننا نمتلك البذور، لكن ما هو المكان الذي غفلنا عنه ولم نزرعها به؟ والجواب يكمن في المعارض الصغيرة، الاستكشافية، التي لاتعتمد على المبيعات)، وتضيف: (هذه المعارض لا ترضي الجمهور بالضرورة). ولأنها مؤمنة أن وجود المتاحف في أبوظبي سيجعل المستوى عالياً من حيث جودة المعارض؛ فهي تتطلع إلى مستقبل تزيد فيه العروض التجريبية.   

تلاحظ خلود خلدون على نحو مماثل كيف بدأ مشروع المنحة للفنانين الناشئين بمعالجة القصور الواضح في عالم الفن، وتقول: (نظمنا جلسات نقاش مع الفنانين)، وأضافت: (مداخلات الفنانين تشير إلى أن المنح يمكن أن تكون الطريق المثالي لترسيخهم بقوة بعد التخرج، وفي النهج الوظيفي على المدى الطويل). وتعتبر الشراكة مع كلية رود آيلاند للتصميم واحدة من الفوائد المباشرة لمنح الإقامة، وكذلك التقييمات النقدية التي يقدمها أعضاء هيئة التدريس في الكلية، وعلى نحو متزايد الفنانون الزملاء.

لا تزال عملية بناء جمهور أكثر المهمات صعوبة على الجميع، والتي تعالجها الشارقة بإشراك المجتمع المحلي، وتوضح القاسمي: (يأتي جمهورنا ويخبرنا عما يريد، والمؤسسة تحاول أن تملأ الفجوات، لكنها تقدم أيضاً أشياء جديدة).

يردد جيوسيبي موسكاتيلو من ماريا آرت سنتر أهمية هذا التفاعل على مستوى الجمهور، ويقول: (كان التفاعل مع المجتمع هو ما ندبنا أنفسنا له، في مركز ماريا لدينا فن عام يتواصل مع الناس في الشارع)، مشيراً إلى ماريا آرت بارك، وهي حجر الزاوية في معرض الفنان العراقي وفاء بلال بعنوان (التسلسل الهرمي للكينونة)/ 2013. 

إن تبديد الغموض الذي يكتنفه الفن، وتقريبه للمشاهد العادي، وتغير الانطباع بأن هناك دائماً التزامات تجارية مرافقة للفن؛ هي الخطوات التي اتخذتها مؤسسة الشارقة للفنون من خلال عروض عامة، وأعمال يتم تمويلها للبينالي، بدءاً من عمل ميدر لوبزس (Football Field)/ 2009؛ وصولاً إلى عمل غاري سيمونس عن رياضة الكريكت لبينالي الشارقة الـ12 هذا العام. وتقول القاسمي: (المسألة هي تغيير المشهد، وإذا عرضنا الفن في مكان عام فإن الناس سيتجاهلونه تماماً). 

إذن ما الذي يبقى ملّحاً للمستقبل القريب؟ وعلى سبيل المثال جامعو الأعمال الفنية المقيمون في الإمارات. تكشف كارفر أن (صالات العرض المحلية أخبرتني أن عامها بأكمله يعتمد على معرض آذار. وأن القطاع التجاري يحتاج دعم جدي من المؤسسات المحلية الصغيرة، والرعاة، وجامعي الأعمال الفنية)، وتوافق راهبار بقولها (لا يمكننا الاعتماد على جامعي الأعمال الفنية ذاتهم).

إنها قصة مماثلة بالنسبة للفنانين، وإجراءات الهجرة الحالية في الإمارات العربية المتحدة تطالب المقيمين أن تكون لديهم وظائف، لذلك تلعب البلد دوراً أكبر كموقع للاستيراد والترانزيت، تقول راهبار: (آمل أن تصبح في دبي تأشيرة دخول للفنانين، وبذلك يستطيع الفنانون الحياة والعمل هنا بدون وظيفة). شاركت كارفر في تجارب من كامبوس آرت دبي للفنانين الشباب الباكستانيين والهنود الذين قاموا بخيارات مدروسة للإقامة هنا، واستخدموا أساليب ملتوية للحصول على تأشيرة دخول، مؤمنين بالفرص التي تعطيها البلد للفنانين.

تتذكر القاسمي: (عندما أنظر إلى الشارقة قبل 10 أعوام أجدها المكان الذي كان فيه الفنانون، وكل ما يحدث الآن هو نتيجة ذلك). يبدو مشهد مستقبل الإمارات العربية المتحدة يتأرجح بين ذلك المعنى لتعميق التاريخ من ناحية أولى بالنظر إلى أهمية التاريخ وتسليط الضوء على الجذور وتأسيس أرشيف جماعي، ونشوء ممارسات وأمكنة من الناحية الثانية. تقول القاسمي: (أتوقع المزيد من التآزر بين الإمارات، ليس فقط بين أبوظبي ودبي والشارقة، فإمارات مثل رأس الخيمة والفجيرة ستنشئ أيضاً نشاطات لسكانها). 

عندما تتحدث مع معظم الناس حول التطور الثقافي في الإمارات العربية المتحدة يصلك رد واحد: (هناك الكثير مما يجب فعله قبل أن نصل إلى هناك). إذا قلت هذا للناس الذين هم في الواقع يشكلون ذلك النظام البيئي؛ فإن ذلك سيكون غير منصف، فإنهم قد تعبوا من المقارنة والتقليد والتكرار، وهم يعتبرون ذواتهم أصحاب المصلحة الحيوية في منظمات محلية تستجيب مباشرة لخصوصية الإمارات العربية المتحدة. تؤكد كارفر: (هذا فعل ابتكاري، وآرت دبي لن تكون أبداً آرت بازل، ولن تهتم بأن تكون كذلك)، كردٍّ على أفكار المقارنة، وعلى فكرة تكرار النماذج التي تتضمنها مقولة (الوصول إلى هناك)، وتذهب أليسون في المسألة إلى أبعد من ذلك، وتقول: (“ماذا يوجد هناك”؟ إذا نظرت حولك فستجدنا “هناك”. السؤال هو أين نريد أن نكون؟).

GARY SIMMONS, Across the Chalk Line, 2015, site-specific installation, 46 × 38 m, for Sharjah Biennial 12, 2015.
Photo by Alfredo Rubio. Courtesy the artist and Sharjah Art Foundation.