كم تغير العالم منذ تأسيس شركة (Seditionart.com) قبل ثلاثة أعوام، عندما بدأنا بالتفكير بالشركة في التسعينيات. كانت فكرة غريبة لعمل فني رقمي بطبعةٍ محدودة، وقد بدت الطبعة الرقمية متناقضة في منطوقها. واليوم الرقمي هو وسيلة لا تقل شيوعاً عن الرسم الزيتي على القماش بالنسبة للفنانين الرواد في هذا المجال، إذ هناك بيئة تحتية جديدة تنمو وتقدم الدعم لهم. ذلك هو المجال الذي يختص به “Sedition”.
كان إدراكنا لزيادة عدد الفنانين الذين يستخدمون عناصر رقمية في أعمالهم أحد الدوافع الأساسية لإنشاء الشركة. وقد بدا من الطبيعي أن نحاول تقديم منصة للفنانين تقدم أعمالهم إلى العالم، أو على الأقل إلى عالم الإنترنت. لم تكن القواعد التقليدية في عرض الأعمال الفنية وبيعها متوافرة للكثيرين في هذا المجال، إذ كانت الصالات تتجاهل وسائل الإعلام الرقمية على نطاق واسع، كما أن بيوتات المزاد لم تبدأ إلا مؤخراً بتلبية حاجة الجامعين للعمل الرقمي.
ببساطة؛ يمكن اعتبار الطبعات الرقمية المحدودة تطوراً طبيعياً “لتضاعف” الفن التقليدي، مثل تقنية الطباعة بالشاشة الحريرية، أو تقنية التنميش "etchings"، أو فن النحت على القوالب الخشبية. لكن على عكس وسائل الإعلام التقليدية؛ يمكن للأعمال الفنية الرقمية أن تشاهد من قبل جماهير كبيرة في أماكن جغرافية مختلفة جداً بلمسة زر واحدة. كان هذا بالتأكيد الدافع الأكبر خلف إنشاء “Sedition”. أردنا عرض أعمال بعض أفضل الفنانين المعاصرين من جيلنا لأكبر عدد من الناس، لكن بطريقة تتيح للجمهور المشاركة الكاملة في جمع الأعمال، وشرائها، وبيعها.
عام 2013 وافق اتحاد سوق الفن البريطاني، واستقبلت صالة (Tate Modern) أكثر من 5 ملايين زائر، واستقبلت مؤسسات الفن المعاصر الـ20 الأوائل 50 مليوناً من حول العالم على أبوابها، لكن على الرغم من ذاك الولع الواضح تجاه الفن؛ فإن كثيرين من الذين يمكن أن يصبحوا مقتني أعمال فنية تدفعهم الأسعار خارج السوق، وبإتاحة طبعات رقمية محدودة بأسعار معقولة يمكن للناس من شرائح واسعة من المجتمع الآن دعم الفنانين الذين يحبون أعمالهم، فعلى سبيل المثال تلقى أعمال النيون لـتريسي إمين المعروفة إقبالاً كبيراً في "editions"، ويمتلك المقتنون فرصة لاقتناء وعرض تلك الأعمال بأقل من 50 جنيهاً إسترلينياً، أي ما يعادل 78 دولاراً أمريكياً.
بفضل تجار التجزئة على الإنترنت مثل أبل وأمازون؛ تعوّدنا على استهلاك الموسيقى والأدب في الفضاء الرقمي. لقد تأخر الفن عن العالم الرقمي بطرق متعددة، وقررنا نحن معالجة هذا الأمر. ومع ذلك نريد أكثر من أن يكون الرقمي تكراراً لسوق الإنترنت للأغاني والكتب. كانت “editions” تنوي تقليد الفسحة المادية للاستوديو والصالات وبيوتات المزاد؛ بدل خلق عالم إنترنت جديد. إن القدرة على شراء الأعمال وبيعها هو عامل أساسي في هذه الفكرة. وكما هو الحال في العالم المادي؛ يستطيع أي واحد من مقتنينا في “editions” بيع الأعمال التي لم يعد يريد الاحتفاظ بها، أو تلك التي لا تناسب مجموعته.، ويتم تقرير تلك الأسعار بشكل كلي في هذا السوق من قبل المستخدمين بمبالغ صغيرة تتراوح بين 5 جنيهات إسترلينية أي 7.8 دولار أمريكي، و5000 جنيه إسترليني أي ما يعادل 7710 دولار أمريكي في الوقت الحاضر، ويمكن أن يتم هذا التبادل مباشرة خلال أوقات زمنية معينة وأمكنة مختلفة من جميع القارات.
كلما كان ممكناً لنا؛ حاولنا عكس الوجوه المتعددة والطبيعة المتلونة لمشهد الفن المعاصر. أعمال الشخصيات الشهيرة عالمياً مثل دامين هيرست، جيني هولزر، ياكو أونو؛ يمكن أن توجد إلى جانب لوحات الاستيوديوهات الرقمية الرائدة، والفنانين مثل الفن والسينما، وأعمال تصميم يونيفرسال إفري ثينغ، والفيلم التفاعلي للفنان آرون كوبلين، وفنان الصوت ريوجي إيكيدا.
كما وضعنا منصة مفتوحة، وهي عبارة عن منتدى يستطيع كل الفنانين الشهيرين منهم أو الشباب تحميل أعمالهم وعرضها، وأما قسم القيّمين فهو للمدعوين فقط بالمشاركة، ويتم تنسيقها واختيار الأعمال فيها من قبل خبراء في هذا المجال، وذلك لمساعدة القادمين الجدد في خطواتهم الأولى في تجميع الأعمال الفنية. ومع ذلك نحن بالكاد بدأنا، وتنتج “editions” الآن مقابلات مصورة بالفيديو، وتحمّلها مع مقالات عن الفنانين وأعمالهم.
ونحن ننشئ بيانات شاملة عن صور الفنانين؛ نستكملها بأحدث المعلومات عن معارضهم القادمة. وقد قدمت المنصة مؤخراً طبعات محدودة جديدة للرسوم المتحركة الرقمية للفنان المقيم في بروكلين بريان ألفرد، مع دعوة لمقابلة خاصة فقط على الإنترنت، حيث يمكن للجمهور الاتصال بالفنان من خلالها عبر جلسة حية على تويتر. إن هدفنا هو استمرار هذا التفاعل المباشر بين الجمهور والفنان.
على الرغم من أن فكرة “editions” تعود إلى أواخر التسعينيات؛ إلا أن تحقيق الفكرة تطلّب عدة أعوام. عندما ناقشنا الفكرة لأول مرة لم تكن دقة الشاشة ولا نقل البيانات في الإنترنت مسألتين متقدمتين بما يكفي لتقديم وعرض طبعات رقمية، ومع بعض الاستثناءات البارزة؛ لم يكن معظم الفنانين يستخدمون الوسيط الرقمي في أعمالهم. أما هذه الأيام فنحن نعمل مع فنانين يحضرون الطبعات الأولى بوضوح 4000 نقطة تلفزيونية، فتضاعفت الدقة النموذجية أربعة أضعاف، أي من مليوني نقطة إلى ثمانية ملايين، وإذا شوهدت تلك الأعمال على شاشات وأجهزة جديدة فائقة الوضوح؛ فإن تلك الصور تمتلك درجة مذهلة من العمق والتفاصيل، لتكون مناسبة تماماً لأعمال فنية معروضة على الشاشة.
وبينما يستمر الوجود الرقمي في النمو؛ فإن الفرص تتزايد أمام الفنانين لخلق وعرض أعمالهم في الوسيط الرقمي، ومن المهم الآن أكثر من أي وقت مضى توفير سياق ودليل للمقتنين للدخول في هذا العالم، فضلاً عن المساحة التي يمكن للفنانين أن يقدموا أعمالهم فيها، وتعاملهم مع الجمهور، ولقاء نظرائهم من الفنانين المبدعين. ونأمل أن تكون “editions” نقطة دخول إلى عالم الفن المعاصر من أجل جمهور جديد، ومقتنين جدد، وأن تكون أيضاً مشهداً جديداً مثيراً لعشاق الفن وللمقتنين وللفنانين.