دينه كيو. لي؛ من أفضل الفنانين الفيتناميين المعروفين، ومتحف موري للفنون في طوكيو يقيم معرضاً استيعادياً لأعماله، وهو الذي قدم أعمالاً إبداعية على مدى العقدين الماضيين، وفيها نقد أخلاقي لافت للرؤيا الأمريكية للحرب الفيتنامية. وقد هاجم أسطورة البطل الأبيض، أي الجندي أو المراسل الحربي الذي يذهب إلى قلب الظلمة ويظهر في نهاية المطاف من جحيم الفيتناميين الذين عادة يُصوّرون على أنهم الآخر.
يتبع لي في هذا النهج طريق إدوارد سعيد (1935 -2003) المفكر الذي فكك مرحلة ما بعد الاستعمار، وأصر على أن التاريخ بناءٌ يستطيع المرء أن يجد في آثاره الأساسية بشاعة الاستعمار المدفون، من خلال قراءة متأنية لسرديات تياره.
ولد لي في فيتنام عام 1968، ونشأ خلال الحرب، وشاهد إلى جانب والده قصف الولايات المتحدة من بعيد، من خلف الجبال. غادر لي فيتنام مع عائلته بعد سقوط سايغون عام 1975 كلاجئين عبر القوارب، واستقر في لوس أنجلوس التي بقي حوالي 20 عاماً قبل أن يعود ليعيش ويعمل في فيتنام. في عام 2007 أسس سان آرت في مدينة هوتشي منّه، وهو مركز للفن المعاصر الذي كُرس لبناء جسور بين فنانين محليين وأجهزة الثقافة المحافظة للحكومة الشيوعية الفيتنامية وعالم الفن العالمي. وهكذا قدم لي ذاته وكيلاً فيتنامياً كبيراً للفن المعاصر، وعلاوة على ذلك؛ ومن خلال مشاهدة معرض لي (ذاكرة للغد) في متحف موري؛ تبدو الأعمال بصورة رئيسة تدور حول قضايا هويته، وبتحديد أكبر حول صراعه اليائس للتصالح مع حالته كفيتنامي أمريكي.
لي مهووس في فنه بالصور المبتذلة التي تبلور الرؤى للحرب الفيتنامية من وسائل الإعلام الغربية، مثل الصورة الحائزة على جائزة بولتزر (فتاة عارية) الطفلة الهاربة من قريتها التي تعرضت للقصف، والجنرال نغوين نغوك لون وهو يطلق الرصاص على رأس شخص يشتبه أنه من الفيتكونغ، و(نهاية العالم الآن)/ 1979، (الفصيلة)/ 1986، (سترة معدنية كاملة)/ 1987.
بعض هجمات لي المبكرة على مثل تلك الصروح الإعلامية الأمريكية هي ساحرة مفاهيمياً وجمالياً. وفي سلسلة من الأعمال يحيك من خلالها صوراً، مستخدماً أسلوب الصياغة التقليدي الذي تعلمه في طفولته، وتستحضر معاً شذرات من التاريخ الحقيقي وتمثيلاتها الخيالية، كما تحافظ على آثار حرف قديمة سليمة.
في عمل غير معنون (Double Woman)/ 2003؛ يدمج لي صورة امراة فيتنامية من الستينيات مع صورة من فيلم (الأمريكي الهادئ)/ 2002؛ الذي تجري أحداثه خلال الحرب الهندوصينية (1946- 1954)، وهكذا تتشابك الصورتان، ويفيض معناهما من واحدة إلى الأخرى. وسواء كان المرء يناقش السياق المحدد للتاريخ الفيتنامي، أو بصورة أشمل طريقة نقل الصور للمعنى؛ فإن مثل هذه الأعمال تمثل دعوة للتفكير الجاد.
تركز أعمال لي الأخيرة وإلى حد كبير على “اللا فن” ما بعد الحداثوي، والاستعارات الممتدة، وعلى خليط من التقنيات في أشكال تركيبات وفيديوهات وأفلام وثائقية، ومعرضين مصغرين لفنانين فيتناميين من فترة الحرب لم يتم تنفيذهما بشكل جيد. أما فيديو من أب إلى ابن: (طقوس العبور)/ 2007؛ فيقدم وصلات من الممثل مارتن شين من فيلم (نهاية العالم الآن) مع لقطات من حياة ابنه الحقيقية، والممثل تشارلي شين من (بلاتون). بداية تبدو المقارنة ممتعة، لكنها في النهاية تبدو وكأنها مجرد هفوة تشبه هراء إنترنت.
عمل لي (The Scroll of Thich Quang Duc)/ 2013؛ يعرض صورة أيقونية من عام 1963 تصور راهباً في وضعية تأمل للذات، ويبلغ طول الصورة 50 متراً، مصنوعة بشكل لا يمكن تمييزها بالكامل، لكن – ومرة ثانية – تبدو فقط وسيلة سريعة لتورية بصرية، لـ"تشويه" الوقت أو المعنى ربما، والعمل بكل أسف غير جمالي، ويعتمد على نص مرافق ليشرح ذاته.
إن أعمال لي الأخيرة تشعرك كما لو أن هدفه الفني الأولي الذي يقوم على تفكيك تخيّل الغرب لفيتنام؛ قد أصبح ببساطة تمرينات أكاديمية، ولم يعد الفن نتاجاً لبحث روحي عاطفي، وبدل ذلك صار نتاجاً لتمرين حل المشكلات بشكل ذكي.