بعنوان (تركيز: أعمال من مجموعة متحف)؛ أقيمت مؤخراً خمسة معارض فردية للفنانين فريد بلكاهية، سلوى روضة شقير، فرج دهام، إنجي حسن أفلاطون، وعبد الحليم رضوي، وذلك في المتحف العربي للفنون في الدوحة. اختيرت الأعمال الفنية في المعارض – المنطمة والمستقلة عن بعضها – من المجموعة الدائمة للمتحف التي يبلغ عدد قطعها 9 آلاف قطعة من الفن العربي الحديث، وجمعها الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني منذ ثمانينيات القرن الماضي.
من المعارض الخمسة كان معرض فرج دهام (الاختلاف) الوحيد الذي يعرض لفنان قطري. ودهام معروف بلوحات الكولاج التي تقدم بدقة مشاهد من الدوحة، كما في (لغة الشارع #22/23)/ 2011. هنا ستة أشخاص في حالات مختلفة من التمويه، لشباب في كوفيات وقبعات البيسبول والنظارات الشمسية، وعمال بناء محليين يرتدون خوذات ونظارات واقية، متجاورين في صورة مغشاة بطبقة رقيقة وخرائط ودرايا وشبكات. بالنسبة لدهام الأنماط الإسلامية والترصيع بالفسيفساء تمثل الدوحة، وكذلك عمال البناء الذين يبنون المدينة التي تتوسع بشكل هائل.
معرض الفنانة المولودة في بيروت سلوى روضة شقير؛ يجمع بين العلمية والعضوية والصوفية، ليخلق أرابيسكاً متموجاً. تعكس كتل منحوتاتها أشكالاً متنوعة من النحاس والإسمنت ذات بعدين. درست شقير في باريس أواخر الأربعينيات، واستخدمت عملها الفني وكتابتها لتطرح فكرة أن جذورالحداثة موجودة في الجماليات العربية. يأخذ عملها هيئة أشكال متشابكة للرسم على الورق والمجوهرات ومنحوتات الطاولات والأعمال الفنية العامة. ولأنها متأثرة بأفكار الصوفية وبأنماط الخطية والدوائر التي تُرى في المساجد وبضفائر الحمض النووي وبموسيقى الشعر؛ فإن المنحنيات المباشرة تظهر بوضوح في تمثال الأرض البرونزي (ثنائيات)/1978 – 1980. هذه المنحنيات تشع وتنمو لتصبح كبيرة كأمواج المحيط في عملها (مقعد)/ 1969- 1971، فيما تمثالها المصنوع من الحجر الأبيض والمعروض في الهواء الطلق يظهر تشابكاً متحرراً ويشكل نصف قمر. معرض شقير الفردي (معنى الواحد ومعنى التعدد) لفت الانتباه المتأخر لهذه الفنانة العملاقة.
معرض (الفجر) كان لأعمال أنجزها في ستينيات القرن الماضي الفنان المولود في المغرب فريد بلكاهية (1934 – 2014). رسم لحظة ما قبل شروق الشمس كاستعارة لاستقلال بلده. انتقل الفنان إلى أوروبا عام 1954، لكنه عاد إلى الدار البيضاء عام 1982، وهناك أدخل التقليد الأفريقي إلى عمله الفني، محترفاً الرسم بالألوان الزيتية على القماش ليعطي اللون الطبيعي لجلود الحيوانات. وقد صنع في سلسلتين منفصلين من النحاس (التاريخ من اليد)/ 1977 – 1978؛ مصوراً الاستقلال السياسي المتطور للمغرب من خلال المظهر الفيزيائي لنمو اليد.
في مكان آخر قدم معرض (البحث عن الأصالة في أعمال رضوي)، وهو من أعمال الفنان المولود في مكة عبد الحليم رضوي الذي درس في أوروبا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وعاد إلى المملكة العربية السعودية عام 1980 ليقود مجتمع الفنون الجميلة. ضمت أعمال معرضه مجموعة من الصور المترفة المتدرجة من النمط الهندسي إلى التجريد، و(أفراح)/ 2001، و(فلسطين)/ 1997؛ الذي يصور نسوة بأحجبة مزخرفة، بأحجام ومنظورات مختلفة.
إنجي أفلاطون أكثر مواجهة سياسياً في مقاربتها، فهي تستعمل في عملها الفني الذاتية المشبعة. معرض (اللغة الأم) يتابع أعمال الفنانة منذ فترتها السوريالية المبكرة، وحتى أعمالها الأخيرة بالأبيض على القماش. فهي ترسم النساء العاملات في ريف مصر، وتستعمل الخطوط القوية على النمط التعبيري لتصور شخصيات الحداد في (سليل حتشبسوت) / 1953، و(فتاة بورسعيد)/ 1957، بعد أن اعتقلت عام 1959 بسبب علاقتها مع جماعة الشيوعيين المصريين "إسكرا ". رسمت أفلاطون مشاهد الحياة في السجن خلال أربع سنوات من وجودها فيه، نهاية المطاف، وبعد انتهاء فترة حكمها؛ قدمت لوحة مليئة بالضوء، وتصويراً للحرية، بما في ذلك المراكب الشراعية، والأشجار المزهرة.
ونظراً لأن المتحف احتفل فقط بمناسبة سنويته الخامسة؛ فإن هذه المجموعة من المعارض عرضت قليلاً من التداخل في المفهوم – رغم أن الفنانين من ذات المنطقة والجيل – وأظهرت مدى التشتت والتشظي الذي ما يزال قائماً حتى الآن في عروض تاريخ فن المنطقة. كل عرض توسع في سردية الفن الحديث المتمركزة في الثقافة المحلية، معتمداً على خصوصيتها الاجتماعية والسياسية.