ولد هوانغ عام 1952، وشهد الثورة الثقافية (1966 – 1976) عندما كان فتى مراهقاً. أرسل من بكين إلى منغوليا ليعمل فلاحاً ضمن حملة إعادة التأهيل التي أطلقها ماو تسي تونغ. بعد وفاة ماو عام 1976 – والتي أدت إلى إنهاء الثورة – خف المناخ السياسي، واجتاحت الأمة موجة من الهياج الثقافي. وتحديداً مع تسرب أعمال فنية وأدبية من الغرب. في ظل تلك الظروف افتتح الفنان عام 1978 مجلة أدبية مستقلة سمّاها (اليوم)، ومع الفنانين وانغ كيبينغ، وما ديشينغ، شارك أيضاً في تأسيس جماعة (النجوم) عام 1979 على أمل الدعوة إلى حرية التعبير الفني وتعزيزه.
خلال شهر أيلول/ سبتمبر في ذلك العام أقامت الجماعة أول معارضها، وعلقت أعمال 23 فناناً شاباً – من بينهم هوانغ – على سياج صالة الفنون الوطنية الصينية، واسمها الآن المتحف الوطني الصيني للفنون بالقرب من "المدينة المحرمة ". بعد يومين فقط أغلق المعرض غير الرسمي بالقوة، والذي عرض في الهواء الطلق من قبل السلطات.
بالعودة إلى هوانتي. نجلس الآن في إحدى غرف الطابق الأول، محاطَين بلوحاته الأولى من تلك الفترة الحاسمة: (قصة الغيتار)/ 1979، (رجل القراءة)/ 1980، (خياطات في وحدة الإنتاج)/ 1980، وكلها ذات إيحاءات تكعيبية واضحة. تبدو طازجة كما كانت في اليوم الذي رسمت فيه. استطاع هوانغ استغلال الحريات الفنية التي توافرت حديثاً خلال تلك السنوات المبكرة، وقد جرب الانطباعية والتكعيبية وأساليب الوحشية. عام 1984 انحلت جماعة (النجوم) مع انتقال العديد من أعضائها إلى الخارج. تزوج هوانغ بامرأة يابانية في السنة ذاتها، بعدها دخل في واحدة من فترتي نفي ذاتي إلى اليابان. ولم يعد إلى بكين ويستقر فيها بصورة دائمة حتى عام 2002.
تشعب حديثنا، وجاء على موضوعات متعددة. ناقشنا حبه لمصنع المفروشات في الخمسينيات، والتي جمعها واستعملها، ولعشرات الكتب باللغتين الماندارينية والإنكليزية المرتبة بأناقة على حوامل سرير قديم. هوانغ يقرأ بنهم، وتشمل قراءته أمبرتو إيكو، تروتسكي، سومرست موم، كما يتعمق في نصوص الفلسفة الصينية القديمة، ويقرأ في (كتاب التغيرات) تقريباً كل يوم.
قادني هوانغ في جولة في البناء عبر سلالم مفتوحة ومتصلة بالغرف التي يغمرها الضوء. كان الأمر كما لو أنّي دخلت إلى متحف خاص مكرس لعمل فنان واحد. والأعمال موجودة في كل الأرجاء غطت التنوع الاستثنائي لسيرة مهنية احتضنت اللوحة والتركيب الضخم والتصوير الفوتوغرافي والأداء، مع التركيز على الهم الاجتماعي، وعلى جو من التحدي والتمرد. كان من المستحيل تقريباً التحرك من دون صدم عمل. هناك اسكتش مرسوم بقلم الرصاص اسمه (بورتريه شخصي)/ 1979؛ مسنوداً إلى الجدار، وإلى جواره لوحة زيتية (فتاة)، هي أيضاً من عام 1979، تثير الحنين الهادئ.
رائحة الطلاء الطري تنبعث من أحد الاستوديوهات. الاستوديو الأصغر كان مكتظاً بلوحات أحادية اللون من سلسلة أعماله الأخيرة (قط أسود وأبيض)/ 2014؛ التي فيها اقتباس من دينغ شياوبنغ، (ليس المهم إذا كان القط أسوداً وأبيض طالما أنه يصطاد الفئران). بالنسبة للوحات؛ فقد غطى هوان النماذج النسائية بالطلاء الأبيض والأسود، ثم لفها بقماش أبيض ليخلق تركيباً تجريدياً وتجسيدياً في ذات الوقت.
كانت غرف الاستديو الكبرى مكتظة بالأعمال الفنية، والبيانو الضخم المركون جانباً (Czechina)/ 2011؛ كان موضوعاً بشكل عامودي في إطار خشبي صلب مثل عينة تصنيفية يراد التخلص منها. في الخلف كانت عدة لوحات جدارية من سلسلة (تشاي – نا تشاينا)/ 2004 – 2009؛ الملعوب باسمها بالكلمة الإنكليزية للصين "تشاينا"، بحيث إذا قرئت “تشانيز تشاي – نا” فإنها تعني “اهدم هناك”. تعالج السلسلة مسألة الهدم الدوري، وإعادة بناء البلد.
أثارت انتباهي أعمال أخرى مكتظة؛ مثل الستائر الجميلة المطرزة بشكل رائع لعمله (تركيب زلزال)/ 2008؛ الذي صنع كرد فعل على زلزال سيتشوان. إن صوت وحركة العمل موظفان للتذكير بالكارثة التي دمرت الجنوب الغربي من الصين، وتسببت بقتل 70 ألف شخص.
يتردد صدى الصبغة السياسية في أعمال هوانغ الجاذبة كلها، وبالنتيجة؛ تمت مراقبة للفنان بدقة، وخاصة قبل فترة من أولمبياد بكين عام 2008، وذلك عندما وصلت حساسية الحكومة إلى درجة الحمى. سألته فيما إن كان ما يزال تحت المراقبة، أجابني: (ليس الآن. بين عامي 2001 و2007 بعد عودتي من اليابان، راقبتني الحكومة عن قرب. وخلال حادث 798، راقبوني، وتدريجياً قرروا أنّي لا أشكّل خطراً، وهكذا توقفوا عن مراقبتي). في حادث 798 عام 2002 أسس هوانغ مرسمه في منطقة خالية ومهجورة جزئياً في منطقة مصنع داشانزي، والآن اسمها منطقة فنون 798 الصاخبة، بعد حملة ناجحة لإنقاذ المنطقة عندما هددت الحكومة بهدمها في عام 2004.
وحتى عندما كانت الحكومة تخفف من مراقبة هوانغ؛ فقد استمر باستخدام الصور الساخرة والحساسة في أعماله. في عمله (الزعيم ماو 10,000 رينمنبي)/ 2006؛ يتناول أكثر الرموز الصينية شهرة، موضحاً وبصورة لا لبس فيها ورقة نقدية من فئة الـ10 آلاف رينمنبي، وذلك من خلال ست لوحات إكليريك براقة، مع شعار (ليعيش الرئيس ماو إلى الأبد)، كتعليق سياسي ساخر عن كيفية استخدم الرئيس ذاته في هذه الصورة لإطلاق الثورة الثقافية. وبعد عقد من الزمن استخدمها لاحقاً خلفه دينغ شياوبينغ لدعم حركة الاصلاح الاقتصادي. العمل معلق إلى جانب تركيب بحجم غرفة، واسمه (النصوص هي تراث التفكير العظيم)/ 2007؛ حيث صفحات البيان الشيوعي بصفحاته الـ39، لكل من كارل ماركس وفريدريك إنجلز، موضوعة بشكل صفحات حروف الماندرين. إنه تخريب مبهج ببساطته. وكلا العملين جلبا ابتسامة لوجه الفنان الذي بدا مفعماً بالبهجة بعرض عمله.
بقي استعمال اللغة العنصر الرئيس في إنتاج هوانغ، والذي يتيح له اللعب بجماليات ومعاني حروف الماندرين. يقول هوان: (العمل بالفرشاة والحبر هو الأساس في رسمي. والحروف الصينية جميلة حتى بالنسبة لأولئك الذين لا يعرفون معناها. هذا هو جمال خط اليد / الحساسية الجمالية أولاً، ثم يأتي المعنى بعدها).
عندما كنت على وشك المغادرة؛ طغت علي بعض المشاعر بسبب كل ما رأيت في المرسم. وقف الفنان إلى جانبي تحت بوابة المدخل الرئيس الرائعة المصنوعة من خشب قديم جيء به من معبد بوذي مهجور. نظر نظرة عابرة إلى السماء التي كانت صافية بشكل غير معهود في ذلك اليوم في بكين، وقال: (ربما تتغير وجهات نظر الحكومة حول التلوث، لكن شيئا واحداً لن يتغير أبداً، وهو نظرة الحكومة للموضوعات الحساسة).
توادعنا رسمياً، وابتسم هوانغ ثم اختفى بسرعة خلف الجدار الآجري. وأنا رحت أنظر إلى قطعة الأرض المشجرة أمام المدخل، والتي زُيِّنت بمنحوتات الفنان للحروف الصينية الضخمة. سألت مترجمتي عن معناها، فأجابت: (أنا). إنه تعبير بسيط، كما أنه يلخص بدقة الشخص المعقد هوانغ روي. شعرت فجأة أن الصرح الرمادي الضخم يمكن أن يسقط فجأة، وأملت ألا تكون سلسلة الفنان (تشاي- نا / تشاينا) نذيراً لما هو آت.