Nasreen Mohamedi

ولدت نسرين محمدي في كراتشي في الهند (1937 – 1990)، وغادرت شبه القارة عام 1954 لتلتحق بكلية سانت مارتين للفنون في لندن، واستكملت دراستها الفن في باريس خلال الستينيات، ولذلك يمكن للمرء أن يشير إلى تعلّمها الفن الغربي سبباً لأعمالها التجريدية الحادة، غير أن أسلوبها هو في الحقيقة نتيجة مجموعة من العوامل، فقد كرست محمدي حياتها لفنها، لم تتزوج، وليس لديها أطفال، سافرت كثيراً خلال حياتها من أوروبا إلى أمريكا وعبر الشرق الأوسط، شحذت التجريد مع مرور الوقت، وعرفت بأسلوب اللوحة الخطية في السبعينيات والثمانينيات، وكانت أيضاً أستاذة ناجحة للفن في جامعة سايجيرو مهراجا في بارودا في الهند.  

سيرة حياتها المهنية كانت موضوع المعرض الافتتاحي في ميت بروير في نيويورك، وكثيراً ما تقارن بالتشكيلي الأمريكي أغنيس مارتين، لكن أعمالها في الواقع لا تحتمل بصرياً أو نفسياً هذه المقارنة، إذ لها طابع أنيق غير شخصي، وكل أعمالها بلا عناوين، وتكرارية بقسوة، ومع ذلك فإن شخصية يدها واضحة في أعمالها، فهي تستخدم أنماطاً مختلفة من مساطر الرسم الهندسي لرسم خطوط بأقلام رسم مدببة، وصورها الفوتوغرافية التي تعودت استخدامها كملهم لرسوماتها؛ كانت أيضاً مجردة للغاية بخطوطها اللاتشخيصية، وبتناقض الأسود والأبيض فيها وفي إطاراتها.  

تم تنظيم أعمال في المعرض حسب ترتيبها الزمني على طول الطابق الثاني في ميت بروير، كانت أعمال محمدي تنسجم على نحو غامض مع الأرضيات والجدران الاسمنتية للبناء الحداثوي. ففي إحدى الغرف الأكثر إشراقاً على نحو ملحوظ بسبب النافذة التي تسمح بدخول الضوء الطبيعي؛ عرضت سلسلة من اللوحات المرسومة على ورق الرسم البياني تعود إلى الثمانينيات، فيما عرضت يومياتها التي تشبه الشِّعر على طاولات زجاجية معدة خصيصاً لهذه المناسبة، كانت منتشرة في الطابق ويمكن للزوار قراءتها.  

في الحقيقة المذكرات هي محفظة تقاويم حملتها معها محمدي بشكل يومي، وهنا، يتم تقديمها للمشاهدين في نهاية المطاف كأعمال جاءت من مكان أكثر انفعالاً، على اعتبار أن محمدي كتبتها كل يوم خلال مسيرتها المهنية. ومن المثير للاهتمام أنها عدّلت عليها بشكل كبير، فهناك بعض الأفكار والكلمات المعتمة بالحبر، ما سمح بخلق أنماطٍ تشبه الشبكة داخل التقاويم الشبكية. إنها أعمال من الشعر البصري الصافي الذي يقود عيوننا وعقولنا فنياً لتخطي ما كانت ترغب بحذفه.    

قبل أن تبدأ محمدي باستخدم خطوط الأسود والأبيض الصارخة في لوحاتها في أواخر أعمالها؛ ظهرت آثار الطبيعة في أعمالها المبكرة في فترة الخمسينيات والستينيات، وعندما كانت لوحاتها أكثر مرونة وألواناً؛ كان هناك موضوعاً متكرراً من تلك الفترة، وهو شكل قوس مروحة، وإن كان مثل أعمالها اللاحقة بخطوطها الثابتة ذاتها.  

بحلول أواخر السبعينيات والثمانينيات أصبح أسلوب محمدي يعتمد الأسود والأبيض القويين، وبالكاد كانت تفصح عن أي عالم ملموس يمكن معرفته في اللوحات التي أبدعتها. والموضوع الوحيد المعروف حقاً في أعمالها خلال ذلك الوقت هو صورة فوتوغرافية تصور أبراج الماء في الكويت. ومثل يومياتها التي تقدم بهدوء نظرة إلى عالمها الشخصي؛ كان ظهور الأبراج في لوحتها صادماً، إذ يمكن التعرف عليها بشكل مباشر. بعد ذلك أصبحت الأشكال الثلاثية أبسط موضوع لرسومات محمدي. في اللوحات التي تتطلب عملاً مضنياً يمكننا مشاهدة علامات قلم الرصاص الأكثر دقة، والتي استخدمت بعناية فائقة بشكل هندسي أخاذ.

وضع ميت بروير ذاته كمساحة لعرض الفن الحديث والمعاصر كما متحف ميتروبوليتان الذي يحتوي كنوزاً من التحف والأعمال الفنية التاريخية. ومن الواضح أن أعمال تنظيم المعارض عبر الولايات المتحدة تتعولم أكثر فأكثر، ففي مدينة نيويورك وحدها أسس في العقد الأخير متحف غوغنهايم ومتحف الفن الحديث برنامجاً لدراسات الفن العالمي بهدف منح موقع متساو للفنون من الغرب، ومن المناطق التي تقع خارجه.

إن اختيار أعمال محمدي لتكون افتتاحية عروض الفن الحديث والمعاصر المبرمجة في ميت بروير له دلالات مهمة، وبالتأكيد وضع المعرض أعمالها بذات مستوى أعمال الحداثويين الأوروبيين والأمريكيين الذين عاصروها، وهذه خطوة محورية في الدفع نحو المشروع المهم لسد الثغرات في الرواية العالمية لتاريخ الفن الحديث والمعاصر.