لم يخطر في بال إيكروس وهو يطير نحو عناق غامر مع الشمس أن كل لحظة كانت تقرّبه أكثر من موته المقدّر. في الأسطورة اليونانية الكلاسيكية التي تحكي لنا عن مخاطر الغطرسة؛ إيكروس الفتى الذي فكر بلمس السماء لقي حتفه بدل ذلك. لم يكن هذا الفتى شجاعاً إنما أحمقاً.
كم عدد الذين اتجهوا بطريقة مشابهة نحو وهج الشهرة وسقطوا مع أحلامهم المحطمة بدل تحقيق مبتغاهم؟ وما الذي يعنيه حقيقة أن يكون المرء شجاعاً؟
وُجِّه هذا السؤال المهم إلى الذين زاروا مؤخراً “Total Arts at Courtyard” في دبي، وبصورة خاصة حول ثلاث تماثيل مغطاة بالشمع كانت معلقة بشفرات طائر هيليكوبتر في القاعة المركزية لمعرض فني في آذار/ مارس. تلك النماذج من الألياف الزجاجية بالحجم الطبيعي صنعها محمد حسين غلامزاده، وهي متشابكة بأحزمة حمراء تظهرهم بهيئة بهلوانات، وبشكل شخصيات مركزية في عمل غامض.
(قصة طيران)/ 2016؛ كان مقدمة مناسبة لمعرض (بلا خوف: الموجة القادمة لفنانين وفنانات من إيران) عرضت في وقت واحد في “Total Arts”، وفي ثلاث صالات في طهران هي “Aaran Projects” و"the Lajevardi Foundation"
و"O Gallery" حتى أواخر نيسان/ أبريل.
قدم معرض (بلا خوف) بإدارة الفنان فيريدون أڤي الأعمال الأخيرة لـ33 فنان من أجيال مختلفة، ومعظمهم لم يُقم معارض منفردة خارج إيران قبل ذلك. وبرأي أڤي (لم يُقدّم أي من هؤلاء الفنانين في وسائل الإعلام، ولم يلفتوا اهتمام سوق الفن بسبب هوسهم بالعمل بدلاً من اهتمامهم بإثارة الضجيج حول ذواتهم). ومع أن أعمار الفنانين تتدرج من أواسط العشرينيات إلى سن الـ70 وأكثر؛ فقد نظر إلى المعرض كفرصة للتعرف على أسماء خارج الأسماء المعروفة عالمياً في المشهد الفني لإيران.
رؤية غلامزاده وجدت لإيكروس مع هذا المعرض نظيراً يوازيه داخل فضاء الصالة في عمل الفنان الإيراني باكتاش سارانغ جافانباخت، المستوحى من شكل الزقورات التي انتشرت في بلاد الشام وإيران وما بين النهرين، والعمل يعود إلى عام 2015، وهو عبارة عن منحوتة سوداء أشبه بثريا متدلية، يبلغ طولها مترين (غير معنون)، تلقي بحضورها على القاعة. وقد أفسح هذا العمل الجريء المجال لأعمال أخرى بمقاربات أكثر تضمينية، مثل أعمال رهيفة بالحبر على القماش لناريمان فروخي، الفنانة الصماء التي تسعى لتجسيد الصوت، والإبداعات النحتية لأفشان دنشفار التي تثير التفكير في أغلبيتها، وعمل دنشفار (قارب أوريغامي)/ 2016؛ هو كولاج بأوراق صغيرة ممطوية معاً تمثل أرتالاً من القوارب المكتظة باللاجئين.
وكانت هناك أيضاً منحوتات تجريدية لزهرة ناڤائي، عندما ننظر إليها عن كثب تكشف ببطء عن تفاصيل خفية مثل بحر من عيون الدمى، أو بذور أكواز صنوبر التي تغطي سطوحها، وتحت إحداها موزاييك مرآة مخفية تشبه مغارة علاء الدين. في الواقع تؤدي أعمال ناڤائي نوعاً من المجاز لإبراز الداخل، ولحث الزوار على النظر عميقاً، وليعيدوا تقييم افتراضاتهم. وللمفارقة – ولهذا السبب بالتحديد – كان ضرورياً توظيف نصوص جدارية بشكل أشمل لترافق أعمال (بلا خوف). في حين أن أڤي جمع مختارات من شعر الهايكو تناسب كل فنان، وكان من الضروري لمعرض فيه أسماء ليست معروفة على نطاق واسع؛ تقديم معلومات أساسية عن الفنانين والفنانات للزوار. لكن ربما غياب ذلك التعريف أتاح للأعمال أن تتكلم بذاتها عن المشاريع.
الفنانون والفنانات الذين عرضت أعمالهم لم يُعرفوا بعد في دنيا الفن العالمي بالمعنى التقليدي. لكن ماذا يعني ذلك؟ وهل ينبغي أن يكون عائقاً أمام الإبداع أو النجاح الشخصي؟ والجواب بالتأكيد لا. لذلك دعونا نعيد النظر في أصحاب الأعمال البهلوانية الحرة الذين يراهم الزوار عند دخول المعرض. ربما لا يحاولون الوصول إلى الشمس، وربما هذا ما يعنيه حقاً أن تكون غير خائف، وأن تمتلك الشجاعة ببساطة لتستمتع بالطيران، ولتكون حراً، تتنفس الهواء، وتبدع. عندها لن تكون هناك أحلام بالسقوط!