أصبح أولافور إلياسون معروفاً على نطاق واسع بين مثقفي الفن في العالم، وصار مؤخراً الفنان الأجنبي الأول عالمياً المرحب به ليقدم معرضاً فردياً في “Long Museum” في شنغهاي.
أواخر التسعينات قدم 30 عملاً من إنتاجه، من تركيبات ومنحوتات وصور فوتوغرافية وأشرطة فيديو ولوحات زيتية ورسومات، كلها ملأت غرف المعرض بوفرة في شهر آذار/ مارس. ومع ذلك أعطى المعرض شعوراً بأنه بازار غريب للعلوم، أو دكان شعوذة، أو مختبر مؤقت لبعض موضوعات إلياسون التي عرف بها. ربما كان تثقيفياً إلى حد مفرط رغم عدم وجود نصوص تشرح الأعمال في أي مكان من المعرض، ولسوء الحظ لم ينجح المعرض بخلق الانطباع التبسيطي الذي كان يمكن أن يقدمه.
يمكن تصنيف إلياسون مثل غيره من الفنانين كشاعر فيلسوف، وهو معروف بأعماله السحرية الضخمة، ففي عمله (مشروع الجو)/ 2003؛ خلق شمساً اصطناعية ضخمة حولت قاعة توربين في متحف تيت مودرن في لندن إلى شاطئ وأرض ضبابية، وهو عمل طموح، جسّد عامل الإبهار الذي علينا أن نتوقعه من هذا الساحر الدانماركي الآيسلندي. وآخر ما قدمه في متحف “Long Museum” عمل (الهرم المفتوح)/ 2016؛ الذي نفذه بناء على تكليف مسبق، وهو تركيب شبيه بخيمتين متينتين تتدليان مثل بناء مصنوع من الحديد والألمينيوم، فيهما مرآتين، وجاء التركيت مثل ممر وفسحة سماوية في مدخل المعرض.
من الخارج يبدو العمل وكأنه ورشة بناء، ومن الداخل مضاء بشكل كبير من مركز إضاءة اصطناعي معلق أعلى نقطة في المركز، وهناك بقعة دائرية هشة من الضوء يفترض أنها ضوء القمر، أو بقعة إضاءة مسرح تدعو المشاهد إلى الداخل. يشعر المشاهدون الذين تحيط بهم انعكاساتهم وانعكاسات الآخرين الذين يتحركون حول المكان؛ أن أجسامهم يمكن أن تكون في أبعاد مختلفة.
تصور المسافة بين توهمها وحقيقتها المادية؛ من الموضوعات التي عرف بها إلياسون باستحقاق، ومع وضوح العمل المركزي في المعرض؛ إلا أن (الهرم المفتوح) كان ينقصه الإبهار الذي كان متوقعاً من عرض إلياسون الأول في شنغهاي.
بشكل دائم أنتج إلياسون أعمالاً تركز على مفاهيم الإدراك، وعلى كيفية تفسير المرء لعالم الحياة اليومية، فهو مسحور بالموشورات والأجهزة البصرية والكريستال والمرايا، ومعروف باستخدامه المواد الأولية مثل الحجر والماء والجليد والضوء.
هناك أعمال معروضة في الطابق الأول في متحف “Long Museum” من أعماله المبكرة التي تستحق البحث، مثل (كاميرا أوبسكورا)/ 1999؛ إذ حول البناء إلى كاميرا فيها ثقب عن طريق عكس منظر أوراق الشجر خارج المتحف، وإسقاط الصورة على عدسات ضخمة مؤقتة موضوعة في الداخل. وأيضاً عمل (السعادة)/ 2011؛ الذي يجمع مروحة وآلة إطلاق فقاعات، ومزود بضوء أسود يضيء حوضاً فيه ماء ضحل وفقاعات صابون، وقد امتد العمل على طول ممر داخلي مظلم، وكان ينظر إليه من خلال شق ضيق على مستوى العين يمتد على طول الجدار.
إن قدرة المشاهد هنا على معاينة العمل كانت محكومة بخط أفقي مفترض حدده إلياسون، وفقاعات الصابون التي تتوهج كأنها من عالم خيالي، تجنح برفق من الأعلى إلى أسفل الحوض، وتتجمع ثم تنفجر كما يحدث على شاطئ المحيط.
مشاهدة (السعادة) تذكره بالمهندس المعماري الأمريكي الرؤيوي المبدع بكمنستر فولر الذي أطلق على ذاته لقب “عالم التصميم الشامل”، وكان شخصاً يعترف به إلياسون كمصدر إلهام وتأثير. انطوى عمل فولر طوال حياته على استكشاف البنى الأساسية في الطبيعة بهدف إبداع الهندسة الجيوديسية التي تظهر بصورة متكررة في أعمال إلياسون، وتبدو بارزة بوضوح في التصميم الجيوديسي لعمله (Your Silent Running)/ 2003 – 2016؛ وهو حجرة من لدائن مدعمة بألياف الزجاج معلقة كالسحاب، يستطيع المشاهدون الدخول إليها ليروا الخيوط الخفية لقطرات الماء التي ينصب عليها ضوء مبهر يجعلها تظهر كأنها تمطر ببطء، وهذا العمل مثل (الهرم المفتوح) يمثل نزعة الفنان لتهويل فكرة الزوال.
لم يكن متوقعاً أن يجيء فنان من مستوى العالمية إلى مدينة من مستوى عالمي مثل شنغهاي ويخيب زوار معرضه، وفي النهاية كان من الممكن أن يحقق من خلال عمل أقل ضخامة تأثيراً أكبر، ولو أن إلياسون عرض ببساطة عملاً واحداً مميزاً لكان ذلك كافياً كي يشعر الزوار بأنهم بحضور عمل مثير بالفعل.