بدأت الأحداث في تونس في شهر يناير/ كانون الثاني 2011 إثر إقدام بائع الخضار الشاب “محمد البوعزيزي” على إضرام النار في جسده، ليشعل ما غدا يعرف بالربيع العربي، وهو: سلسلة ثورات بشرية تطالب بإصلاحات سياسية واجتماعية امتدّ أوارها إلى عدة بلاد في غرب آسيا، أما ختام العام فقد انسدل على نظام الأسد وهو يستخدم القوّة على الرغم من عقوبات الجامعة العربية وتركيا المفروضة على نظامه، في حين يغرق اليمن في دوامة من العنف، ومما لا شك أن الوقت ما يزال مبكراً للحكم على شكل التغيير الذي سيعم المنطقة على المدى البعيد، لكننا نظل متشبثين بالأمل.
أما منطقة المحيط الهادئ فقد طغت عليها الكوارث الطبيعية، إذ ضرب زلزال قوي مدينة “كرايستشيرش” في نيوزيلاند خلال شهر فبراير/ شباط 2011، مخلفاً خراباً هائلاً في ثاني أكبر مدينة في البلاد، ما أدى إلى تعطيل الحركة التجارية فيها عدة شهور.
وبعد مضي أقل من شهر على تلك المأساة، ضرب أحد أعنف الزلازل في العالم شمال شرق اليابان، ليصيب البلاد بالشلل، ولا سيما في المنطقة المحيطة بمحطة فوكوشيما لتوليد الطاقة النووية، وكما سارع مجتمع “كرايستشيرش” الفني لإيجاد فضاءات بديلة لصالات العرض التالفة، فقد ضافر الفنانين اليابانيين جهودهم لتسليط الضوء على مخاطر الطاقة النووية، ولينظّموا جهود الإغاثة للمنكوبين.
لم يخلُ عام 2011 من الصدمات الحكومية أيضاً، فقد وجّهت الصين رسالة قوية إلى العالم حين أقدمت على اعتقال “آي ويوي” أحد أشهر فنانينها وناشطيها الاجتماعيين، معللة سجنه السري بارتكابه “جرائم اقتصادية”، و"تعدد الزوجات"، و"نشر الإباحية"، وقد قاد هذا الفعل إلى إدانة دولية لافتة تراوحت بين توقيع متاحف دولية كبرى مثل “تاتي موديرن” في لندن و"غوغينهايم" في نيويورك على عرائض تطالب بإطلاق سراح "ويوي"، وإلغاء بعض الفنانين معارضهم في بكين مثل “دانيل بورين” و"أنيش كابور"، لكن بعد مرور 81 يوماً شهدت القضية انعطافة مفاجئة، وذلك حين تم الإفراج على “ويوي” بكفالة، كما طالبته سلطات الضرائب الصينية بفاتورة مقدارها 2.4 مليون دولار بشكل غرامات وضرائب غير مسددة.
وفي مشهد احتجاجي رائع تلقى “ويوي” تبرعات من آلاف الأنصار من خلال التحويل الدولي للأموال وخدمات الدفع عبر مواقع الإنترنت، وعندما أغلقت الحكومة الصينية تلك المواقع توافدت طائرات تحمل أوراقاً نقدية إلى استديو “ويوي” في مقاطعة “كوشانغدي” في بكين، وقد سلطت محنة “ويوي” الضوء على أشخاص موقوفين ومختفين آخرين من قبل الأنظمة الاستبدادية.
في تلك الأثناء.. وعبر المحيط الهادئ قامت مجلتنا برحلتها كي تكون أكثر قرباً من المصادر الوفيرة التي تغذي محتواها.
هكذا، وفي سن الـ19، وبعد 8 سنوات من العمل في نيويورك، قمنا بنقل مكتب التحرير إلى هونغ كونغ، في خطوة منحتنا إحساساً بأننا نبدأ من جديد، من حيث التأقلم مع فروق التوقيت، والسهر حتى ساعة متأخرة من أجل التحدث إلى أصدقائنا القدامى في أمريكا الشمالية وأوروبا، ومعاودة الاتصال لكن وجهاً لوجه هذه المرة مع الفنانين في آسيا، فهنا في هونغ كونغ نجد أنفسنا مجاورين لبلاد لا يتمتع مواطنوها بالحقوق ذاتها، وخصوصاً ما يتعلق بحرية التعبير.
وقد ساهمت تلك النقلة الجغرافية كذلك في تسهيل إصدار عدد حصاد السنة الـ7 هذه، إذ إننا بتنا هنا أكثر قرباً من الأحداث، حيث يمدّنا محررنا “هـ.ج. ماسترز” ـ المقيم في اسطنبول ـ بكنوز سجلاته عن المنطقة منذ سنة 2007، متلقياً مساعدة تحريرية من قبل “دون كون” و"أوليفر كريشر" و"هاني كو" و"نادجا كيرشهوفر" و"آشلي لي" و"كاثي زانغ" و"مايكل لاكوي"، ولهذا نحن مدينون لعدد من المساهمين ومحرري المكاتب الذين استفادوا من صلاتهم المحلية والمباشرة وأطلعونا عليها، وهنا لا يمكننا إغفال الإشارة إلى دور العديد من المنظمات والأفراد الذين ما فتئوا يشاركوننا مصادرهم ورؤاهم.
وجرياً على عادتنا في كل حصاد كل سنة، والتي تتمثل بدعوة شخصيات فنية عالمية مهمة للتعليق على الأحداث الثقافية الكبرى التي صبغت العام الماضي، فإننا نرحب في هذا العدد بالعالم والفنان الياباني “ميناتو شيهيرو”، وبالمدير الفني التنفيذي لفضاء سيدني الفني “بلير فرينش” اللذين قاما ـ كل على حدة ـ بمناقشة منحى الفن، وعلاقته بالكوارث الطبيعية وبالأزمات الإنسانية في المنطقة.
أما مقتنية الفنون “كيران نادر” المقيمة في نيودلهي، والتي أقامت مؤخراً متحفها الخاص الأول، بالإضافة إلى قسم آخر في العاصمة الهندية أوائل السنة الماضية، فإنها تشاركنا بانطباعاتها حول معارضها المفضلة التي أقيمت في شبه القارة سنة 2011.
ومن بيروت تقوم الفنانة والشريكة المؤسِّسة للفضاء الفني المستقل “98 أسبوع” “مروى أرسانيوس” بإماطة اللثام عن احتفالية استيعادية تسلط الضوء على فنان كبير كان قد أهمل في البيئة المحلية أثناء عملية التقييم.
وفي الختام يتأمل الفنانَيْن “جورجي محمدوف” القيِّم المشارك لجناح وسط آسيا في بينالي البندقية الـ54، والمدير الفني لبينالي سنغافورة “ماثيو نغوي”؛ في وظيفة الفن في المجتمع من منظوريهما الفريدين.
أما تصميم عددنا هذا فقد أشرف عليه المدير الفني “دانييل هوثارت” والمصممة “ديبي بون” ومحررو الصور “أليس أتويل” و"آن وو"، حيث عملوا معاً على خلق مزيج أنيق يجمع بين النصوص والصور في 175 صفحة.
فيما صمم غلاف عدد هذه السنة الفنان السنغافوري “هيمان شونغ” الذي يعرف الكثير من قراء مجلتنا أعماله، والغلاف عبارة عن مجموعة من الصور التي جاءت مثل فسيفساء لأماكن بلا هوية من آسيا، إذ لا يمكن الجزم إذا كانت تدل على اسطنبول أو باكو أو كوالالمبور أو طوكيو، وفي تماشٍ مع روح العدد الختامي يصف “شونغ” الشريط القطري المائل الموجود على الغلاف بأنه نوع من المحو، ما يلمّح إلى حالة طور النشوء، بالإضافة إلى الترابط بين جميع العناصر في ذلك المجلد السنوي.
وإن هذا الترابط هو تماماً ما نسعى إلى أن نكون جزءاً منه، ونحن الآن إلى جوار أكثر التطورات إثارة في عالم الفن. ةأةو