يستعدّ آلاف البشر حول العالم لسقوط السماء، وانتشار طاعون مميت، وغزو زومبي كوكب الأرض، مثلما تنبأ به تقويم المايا القديم “الطويل” الذي يقال إن خاتمته ستصادف يوم الـ21 من كانون الأول لهذا العام.
ففي ميلبورن أنفق روبرت باس مؤسس الموقع الالكتروني (survive2012.com) أكثر من 350 ألف دولار تحسباً للـ “يوم الكبير”، حيث اشترى 75 فداناً تقع على ارتفاع 1500 قدم عن سطح البحر، وبنى عليها بيتاً فيه قبو مجهز بشكل تام.
وفي الصين يبني رجلان قوارب مطوّرة كهربائية بهدف تأمين ملاذ لعائلتهما حين تجتاح الفيضانات القاتلة كوكبنا، فيما تزود شبكة أمنا الطبيعة قائمة بأفضل 10 أماكن في الولايات المتحدة للنجاة من “أرمجدون”.
وفي الموضوع ذاته تقوم شركة زفاف صغيرة في سيبيريا بتسويق عدّة النجاة من “نهاية العالم”، فيها قلم رصاص، وشموع، وعيدان ثقاب، وخيوط مجدلة، وصابون، وأعشاب طبية للاستجمام، وفودكا، وثمنها كلها في حدود 30 دولاراً أمريكاً.
ثمة آخرون يتبنّون مقاربة أكثر احتفالية بالموضوع، ففي هونغ كونغ أعلنت مطاعم عن تقديم عشاء مكوّن من 6 أصناف اسمه نهاية العالم، وتبلغ تكلفته 2,112.12 دولار هونغ كونغي، فيما ينضم مغامرون من حول العالم لرحلات خاصة إلى منتجعات كانكون المكسيكية على مقربة من آثار المايا القديمة كي يشربوا نخب نهاية عصر وبداية آخر.
ولفريق مجلتنا رأي آخر، فنحن نفضل البقاء في أوطاننا لنريح أجسادنا وعقولنا قليلاً، مع شيء من اليوغا، أو حتى نزهة جبلية مسائية، مرحبين بانتهاء التقويم “الطويل” الذي امتدّ 5 آلاف عام، واستهلال حقبة جديدة، والحق أن مجلتنا ذاتها قد أتمت مرحلة أخرى، وهي عقدها الثاني.
حين ترى عددنا الأول عام 1993 فإنك تشعر – بناءً على وجهة نظرك – أن آسيا إقليم مليء بالإمكانيات، أو خال تماماً منها، أما اليوم فإن من لا يقعون فريسة نبوءات المايا الكارثية يعتقدون أن هذا الإقليم يمر بنهضة ثقافية وحركة لا مثيل لها في العالم.
ثمة متاحف جديدة تفتتح أو تشيّد، ومدارس فنية تتسع، وتكبر بفنانين أكثر طموحاً، وفضاءات فنية بديلة تدفع التجريب إلى حدّه الأقصى، وصالات عرض تزهر في كل أجزاء آسيا والشرق الأوسط، وكل ذلك يؤدي إلى فرص أرحب للفنانين، وقيمي المعارض، ودعاة المجتمع المدني الذي يحترم الإبداع وحرية التعبير، وإن كل تلك المؤشرات – الإيجابي منها والسلبي – تمت دراستها بعناية على صفحات عدد الحصاد هذا.
قام بتحرير عدد الحصاد هذا العام – وهو الـ 8 في تاريخ المجلة – هـ. ج. ماسترز من اسطنبول، يعاونه في ذلك كل من جون جيرفس، هاناي كو، كاثي زانغ، دون ج. كوهن، نويلي بوديك، ميريام رودريغي، هيلاري ليونغ، كاثرين تونغ، مايكل لاكوي.
وهنا نجدّد امتناننا إلى عديد المحررين المشاركين والمستكتبين الذين سعوا بجدّ نحو الخبر في محيطهم، وشاركونا إياه، ولولاهم ما نجحنا، كما لن ننسى سخاء عديد الأفراد والمنظمات الذين يشاركوننا حماسهم وآراءهم ومصادرهم.
في أعداد الحصاد اعتدنا دعوة شخصيات مؤثرة من عالم الفن، وذلك لطرح أفكارهم في فعاليات ثقافية هامة من العام الماضي واللاحق، حيث يقوم لارس نيتفي المدير التنفيذي لمتحف M+ في مقاطعة غرب كولون الثقافية في هونغ كونغ، وإليزابيث آن ماكغريغور مديرة متحف الفن المعاصر في سيدني – كل على حدة – بالإشارة إلى بواعث الأمل في سنة ابتليت بالتعصب الثقافي في هونغ كونغ، وتخفيضات في ميزانية الحكومة من كانبيرا.
ومن خلال وجهات نظرهم الفريدة يناقش دور الفن في المجتمع كل من الطبيب الفنان السعودي أحمد ماطر، وفنان الأداءات البورمي موي سات.
ومن دكا مقتنِيا الفنون ناديا ورجيب سامداني اللذان استهلا مؤخراً النسخة الأولى من معرضهما (قمة دكا للفنون) يعرضان مصادر الإبداع المتشكلة في بنغلادش، وأثر جيرانها العمالقة مثل الهند والصين، ومن جورجيا الفنان واتو تسيريتيلي والمنظم المشترك لـترينالي تبيليسي الأول؛ يشرح الحاجة إلى بعث المنابر التعليمية القديمة للفن في الحقبة ما بعد السوفياتية للبلاد.
فريق العمل المكوّن من المدير الفني دانييل هوثارت، والمصمم بيرل كوان، ومحررة الصور آن وو، والمتدربة شروتي شاماريا؛ اشتركوا في تصميم الحصاد، فقاموا بإنتاج خليط مفعم بالحياة، مكوّن من النصوص والصور والمواد الطباعية والتصاوير، من خلال 180 صفحة موزعة فيها الموضوعات.
وبعيداً عن أية مخاوف قد تملأك تجاه السنة الجديدة؛ فإن تصفح العالم من خلال عدد الحصاد هذا الذي بين يديك سوف يغمرك بهجة وأنت ترى مناخ الإبداع والخيال اللذين تعزّازهما شراكات وتعاونيات جديدة بين الفنانين وصالات العرض والمؤسسات عبر آسيا.
نحن في (أرتس آسيا باسيفيك) نفضل أن نتفاءل ولو كنا مخطئين، لذلك نسعى نحو الأفضل في العام 2013، إذ يكفي أن نرى أن البوب الكوري أصبح الآن ظاهرة عالمياً بفضل نجاح أغنية (غانغنام ستايل) للظاهرة الجنوب الكورية ساي.
أليس في ذلك سبب للشعور بالسعادة؟