Glitched Out

لنضع اللوم على القرد.. باقتراب 2016 من نهايتها؛ فإن العديد من الناس كانوا متخوفين، وبصورة خاصة أولئك الذين يتبعون التقويم القمري الصيني، لأن 2016 كانت سنة القرد، ذلك المخلوق المراوغ الذي يبحث دائماً عن الفوضى فقط ليتسلى. والأكيد أن الشهور الـ12 الأخيرة شهدت الكثير من الأذى والفوضى والعثرات.     

بالنسبة لأولئك الذين لا يتبعون توقعات الأبراج، ويملكون بدلاً عنها إما الإيمان بالحقائق أو بنظرية المؤامرة أو بكليهما معاً؛ فقد شعروا أن 2016 يشبه خللاً كبيراً في النظام. كثير من الأخبار – خاصة من عالم السياسة – كانت محيّرة، واحتكرت المحادثات على الإنترنت وخارجها، وبدت في الغالب سيئة إلى حد غير قابل للتصديق. ما الذي يجري حقيقة بين الولايات المتحدة وروسيا؟ ما هو الدور الذي يلعبه جوليان أسانج في ذلك؟ هل يمكن أن يكون وراءها قراصنة من كوريا الشمالية؟ وهل حقيقة يحصل ارتفاع في درجات حرارة الأرض؟ أم أن الصين اخترعت الأمر من أجل مصالحها؟ وهل التغيرات المناخية هي الحرب الباردة الجديدة؟ ثم هل أصبحنا حقيقة مجتمع ما بعد الحقيقة؟    

بغض النظر عما إذا كنت تؤمن بالصحافة، وأن فكرة الأخبار هي للصالح العام؛ فإن 2016 كانت سنة الاضطراب والاستياء الاجتماعي من الفيليبين إلى الولايات المتحدة، كانت تبدو سلسلة لا تنتهي من الاضطرابات بالنسبة للمؤسسات السياسية في كل رُكن تقريباً من الكرة الأرضية، وبداية جديدة لحكام مغرورين. وبينما تشعر العديد من البلدان بالحاجة إلى الالتفات نحو الداخل، والانسحاب من العالم المتداخل؛ لا يزال هناك دعاة يؤمنون بالتعددية. بعض أشد معارضي نشر جو الكراهية للأجانب الذي يتزايد يوماً بعد يوم هم الفنانون والقيّمون الذين يناصرون التبادل الحر للأفكار ووجهات النظر.

العدد السنوي الـ12 من مجلة آرت آسيا باسيفيك اهتمّ بأسئلة حول: إلى أين يتوجه العالم؟ وعلى خلاف أي إصدار آخر؛ فإن شخصيات عالم الفن الذين تمت دعوتهم ليعبروا عن انطباعاتهم حول السنة التي انتهت للتو، وكيف يمكن أن يكون عام 2017. كلهم عبروا عن الحاجة لمقاومة المناخ السياسي الحالي في بلدانهم خاصة ومناطقهم والعالم. 

من نيودلهي رام رحمن المصور الشهير، والعضو المؤسس في لجنة “سافدار هاشمي” يكتب عن الظلال الداكنة التي ألقتها الحكومة الهندية على أكبر ديموقراطية في العالم، وعن انعكاساتها على روح الثقافة في بلاده. وفي بانكوك؛ غريدثيا داويونغ المديرة الفنية لمركز الفنون جيم سومبسون تشرح كيف تقاوم الخطاب القومي المتزايد في تايلاند عن طريق تشجيع الكثير من المشاركة والحوار مع المؤسسات المجاورة في المنطقة. فيما يناقش بايج أورير مدير بينالي إستانبول في الإستراتيجيات والتكتيكات من أجل الاستمرارية في بيئة مضطربة، ومعزولة في أسوأ حالاتها. أما مدير متحف شانغهاي هيمالايا ليي يونغوو فيتناول الحالة الراهنة للبيناليات بعد سنة مزدحمة بالمهرجانات في آسيا، فضلاً عن اقترابنا من بينالي البندقية ودوكيومينتا، حيث يلاحظ أن أكثر من 300 بينالي تأسست في العقدين الأخيرين، وهي فترة حيوية للتبادل الفني. من نيويورك؛ مدير صالة الجمعية اليابانية يكي كاميا يناقش معنى تنوع البرامج في المؤسسات الفنية في الولايات المتحدة على الرغم من قدوم رئيس خاض الانتخابات وفاز بالاعتماد على الخوف والتعصب. 

لحسن الحظ لم تكن كل الأخبار سيئة في عام 2016، إنما بشرت بعدة أحداث فنية مثيرة في المنطقة، سيتم تفصيلها في الصفحات التالية من مجلة آرت آسيا باسيفيك، وهناك جهد هائل يكشف كل الفعاليات في 53 بلداً، من تركيا إلى نيوزيلند. 

وعلى الرغم من غرقها في فضيحة سياسية على أعلى المستويات؛ إلا أن كوريا الجنوبية شهدت سنة حيوية، إذ استضافت عدة بيناليات محلية، إلى جانب افتتاح وتجديد صالات فنية، من بينها مركز “منصة L” للفن المعاصر في غانغنام الراقي، والمركز المحبوب آرتسونج للفنون الواقع جوار سامشيونغ دونغ، وقد حصلت هونغ كونغ على حضور خاطف للمقتنيات المتزايد لصالة “M +” الفنية، من خلال معرضين كبيرين، أحدها مسح تاريخي للفن الصيني المعاصر شمل هدية كبيرة للمتحف من ألي سيغ رجل الأعمال السويسري ومقتني الأعمال الفنية والدبلوماسي سابقاً، والآخر هو خليط رائع من مشاريع التصميم من مختلف أنحاء آسيا. وكشفت النقاب أيضاً عن أول تمثال دائم لها على أرض الواقع في منطقة غرب كاولون الثقافية، أطلق عليها اسم جناح (M +).

شهد غرب آسيا إطلاق المتحف الفلسطيني في شهر آب/ أغسطس، وأقيمت الدورة الثالثة من مهرجان قلنديا الفني الدولي الذي يعد مناسبة مهمة للفنانين والمنظمات الفنية في أرجاء المنطقة. وفي باكستان أُنجزت الاستعدادات الأولية لافتتاحية بينالي لاهور الذي يقام أواخر هذه السنة. 

وعلى الرغم من أي ضيق يمكن أن تكون قد تعرضت له هذا العام؛ إلا أنك باطلاعك على العديد من المشاهد الفنية التي نقدمها في الملحق “ألماناك” سيشجعك، بسبب الجو الإبداعي والخيال الذي يعززه التعاون ويظهر بين الفنانين وصالات العرض والمؤسسات القريبة والبعيدة. لذا يمكنك أن تؤمن أن الأشياء الإيجابية حدثت وهي تحدث الآن. إن الأمر ليس مجرد تفكير حالم.     

“ألماناك” مبادرة فريدة ترسم خرائط منهجية للفعاليات الفنية التي تقام في كل أرجاء المنطقة من البلدان الكبيرة والصغيرة، والممولة فنياً وغير الممولة أو سوق الفن، لتلقي الضوء على تطور تلك المجتمعات الإبداعية في زمن متغير. ولا يمكن إنجاز هذا النوع من البحث الدقيق المعقد من دون الروح التعاونية لمحررينا، وللعديد من المساهمين، مع معرفتهم الخاصة وتواصلهم مع المشاهد الفنية الخاصة بهم، ما يساعدنا كل عام في الشروع بتقديم أرشيف للأحداث الفنية، إلى جانب توقع ما سيحصل في العام المقبل. 

إن الالفتات إلى الاضطرابات الاجتماعية التي طغت على الأشهر الـ12 كانت مصدر إلهام لتصميم غلاف “ألماناك” من قبل مديرة آرت آسيا باسيفيك مارتا غروسي، والمصممة جين كووك، والمحررة الفوتوغرافية جاسيكا كيونغ. لا يزال كوكب الأرض موجوداً، وسليماً تماماً، لكن البث انقطع مؤقتاً.

بينما يتطلع العالم كله نحو العام الجديد؛ عام الديك الذي يعني العمل الدؤوب والاختيال – وسواء كان الكلام على أساس فلكي أم سياسي – فإن المحررين في آرت آسيا باسيفيك ما يزالون مؤمنين بالحقائق والحرية، ولا يقف أمامهم عائق عن تقديم المعلومات والإبداع. إننا نخطط لنبقى تماماً في مكاننا، مؤكدين على أن الاتصالات مع الأمكنة العديدة التي نغطيها غنية وواضحة أكثر من أي وقت مضى.