بعيداً عن العاصمة العالمية، وفي الطبيعة الجميلة لممر بحري هادئ دانماركي؛ كانت هناك أعمال فنية لـ12 فناناً من أنحاء الكرة الأرضية، اجتمعوا في حوار نقدي حول حالة المجتمع هذه الأيام.
هذا المعرض العالمي النقدي للفن المعاصر الذي أقيم في متحف ترافوت للفن الحديث والتصميم؛ أعطى روحاً جديدة لمؤسسة معروفة أكثر بعروضها للتصميم والصناعات اليدوية الدانماركية.
المعرض الذي يحمل اسم (عندما تتداعى الأشياء / أصوات نقدية تُسمع) يضم سرديات من أماكن متنوعة مثل الكاميرون وفيتنام وأندونيسيا وغواتيمالا، ممثلة في التركيبات والمنحوتات والصور الفوتوغرافية والقص البصري.
استوحي اسم المعرض من عنوان رواية الكاتب النيجيري شينوا أشيبي (أشياء تتداعى)/1958؛ والتي تصور ألعاب القوى والتناقضات الثقافية بين المستعمرين البريطانيين والشعب النيجيري في ثمانينيات القرن الـ19، حيث رأى كل طرف اختلافات الآخر تهديداً لهوياته الخاصة.
يعتقد قيّم المعرض السنغالي نأغوني فول أن ذلك هو القضية المركزية في رواية أشيبي، أي عدم الرغبة في التكيف مع الآخرين، والافتقار للتعاطف معهم، وهي قضية لا تزال وثيقة الصلة بالمجتمعات في العالم المعاصر.
هناك دعم متزايد في الدانمارك للأحزاب السياسية التي تتبنى الإقصاء والعزل باعتبارها أدوات لحل المشكلات المتنوعة المتعلقة باللاجئين التي تواجهها أوروبا حالياً. فالخوف من ثقافات غير معروفة وتهديداتها المفترضة للقيم المحلية؛ أمور هيمنت بقوة على المجتمع الدانماركي، في ذات الوقت الذي تبنى فيه جدران في البلدان الأخرى – بالمعنيين الحرفي والمجازي – لتقييد الهجرة الأجنبية. ومع ذلك؛ كانوا الفنانون في معرض ترافولت يعترضون على عدم الرغبة في التغير، ورفعوا أصواتهم الفنية لنشر الوعي والأمل.
نُظِّم المعرض حول ثلاثة موضوعات. “العدالة للجميع” أي التعامل مع القضايا المتعلقة بالنوع والعرق والجنسانية، و"التغير الاجتماعي" أي استكشاف الديموقراطية والسياسات والتطور الإنساني، و “التعاطف” أي تحدي أفكار التضامن والأمل والاختلاف.
من بين المشاركين في العمل الفني “العدالة للجميع” تركيب الفنانة الأندونيسية ارحمياني فيصل (لا تمنع خصوبة العقل)/ 1997 – 2014 ، والذي كان مثبتاً على الجدار، ومغطى بفوط نسائية مصفوفة بدقة، شكّلت صورة شخصية لفيصل. فيظهر لباسها كممرضة تحمل مقصات وهي بروب أحمر بشكل علامة الاستفهام، كما لو أنها جاهزة للقيام ببعض السحر الطبي. وأمام الجدار وضعت فيصل كأساً صغيرة من الدم على كرسي.
ضمن السياق المحلي؛ كان العمل الفني على صلة بالنقاش النمطي في وسائل الإعلام الدانماركية المهتمة بالطمث الذي تعتبره الأغلبية العظمى في البلد موضوعاً محرماً، ومع ذلك؛ عند الوقوف أمام ذلك العمل الفني لا مفر من مواجهة تلك القضية، فقد كان الدم قريباً جداً وطازجاً، بحيث يكاد للمرء أن يشمه.
في قسم "التعاطف"وبشكل لائق؛ تم وضع تركيب الفنان الفيتنامي دينه كيو لي (المحو)/2011، ويتكون ذلك العمل الفني المثير من حطام قارب بالحجم الطبيعي، وفيديو لمركب محترق، وآلاف الصور المبعثرة لعدد كبير من الناس والعائلات التي تروي مجتمعة التاريخ البصري والحسي للأذى الذي حل بفيتنام، معيداً في الغالب تأسيس سرد ما تم قمعه ومحاولة محوه في العقود الماضية.
“النسيان ليس خياراً” هكذا يؤكد الاقتباس الوارد في كاتالوغ تقديم المعرض. وعلاوة على ذلك؛ يصر العمل على المشاركة بالمعرفة الشخصية والتجربة بغية التواصل مع المشاهدين عبر استكشاف القضايا الاجتماعية السياسية المشتركة.
في قسم “التغير الاجتماعي” عرض الفيلم القصير (الزعيم المثالي) للفنان الجنوب أفريقي زين ماني، وهو يوضح صورة الزعماء السياسيين، من خلال مقاربة كل عيوبهم التي يختبؤون بها خلف مظهرهم كسياسيين. ويتساءل العمل فيما إذا كان المجتمع يستطيع تحديد الزعماء الجيدين أو السيئين، وإن كان “الزعيم المثالي” موجوداً بالأصل.
في هذا المعرض كان واضحاً من خلال التعبيرات الفنية القوية أن الفنانين هم أصوات قوية تشغل مكاناً حيوياً في المجتمع. حقيقة إن إقامة ذلك المعرض في بلدة صغيرة بدلاً من العاصمة كان قراراً مهماً. وهي تعني أن تلك القصص الشخصية ووجهات النظر النقدية من مختلف أنحاء العالم لا تصل فقط للمتحمسين للفن العالمي، إنما تصل أيضاً إلى أفراد مجتمعات مناطقية، وهذا الأكثر أهمية، فربما يجد معظم هؤلاء الأفراد أن المعرض يمثل شكلاً جديداً لما اعتادوا عليه من معارض.