واستلهاماً لهذه المبادئ المؤسسة فإن هذا العدد من “آرتس آسيا باسيفيك” سيؤكد قدرة الفن على مواجهة وتحدي الافتراضات التاريخية والاجتماعية والسياسية.
في التحقيق الرئيس للعدد يتعقب المحرر الإداري “أوليفيير كريشير” تطور الرسام الأوسترالي “غوردن بينيت” عشية افتتاح معرضه الفردي الذي شهده “متحف الفن المعاصر للسكان الأصليين” في مدينة “أوترخت” الهولندية، ومشاركته في دوكيومينتا في يونيو/ حزيران، وقد قام “بينيت” منذ ثمانينيات القرن الماضي بإنتاج أعمال كبيرة تُسائل الرموز التاريخية التي تم استيعابها كجزء من هوية أوستراليا الوطنية، مستلهماً في ذلك من تراثيه الإنجليزي والمحلي الأصلي، إضافة إلى تعرية الأصول الاستعمارية التي تحجب تراث السكان الأصليين في تلك القارة، ومن المشاركين أيضاً في دوكيومينتا هذا الصيف الفنان العراقي الأمريكي “مايكل راكويتز”، وسوف تأخذنا محررة المراجعات “هاناي كو” في رحلة تفصيلية لاستكشاف المشروعات الطموحة لهذا الفنان المقيم في شيكاغو، وما فيها من مقاربة ذكية وانفعالية للمعتقدات الاجتماعية والثقافية حول موطنه العراق، حيث ينجح “راكويتز” في تناول إنساني للكوارث التي حلت بالعراق في القرنين الماضي والحالي سواء كان في تعاونه الأخير مع مطعم راقٍ في نيويورك يُقدَّم لحم غزال مشوي مع صلصة مصنوعة من شراب تمر عراقي وطحينية في أطباق كانت تستخدم في قصور صدام حسين، أو في سبره أوجه التشابه المدهشة بين الصورة التي كانت تروجها الديكتاتورية العراقية السابقة عن ذاتها وفيلم الخيال العلمي الكلاسيكي “حرب النجوم”.
كما يلقي المحرر المراسل “هـ. ج. ماسترز” نظرة تأملية على السياسات البصرية لغرب آسيا من خلال أفلام وفيديوهات وصور الفنانة العراقية المولد، البريطانية الإقامة “جنان العاني”، والتي ستشارك في “بينالي سيدني” في شهر يونيو/ حزيران، وقد جلس “ماسترز” مع “العاني” في أعقاب محاضرتها التي ألقتها في يناير/ كانون الثاني بدعوة من المركز الفني غير الربحي “سالت” في اسطنبول لعرض كيفية ممارستها التحديات لأفكار التمثيل، سواء المتعلق بولع الاستشراق المرضي بموضوع الحجاب، أو التلاعب بصور الحرب التي تتناقلها وسائل الإعلام، وما ينتج عنها من انفصال أخلاقي عن المعاناة الإنسانية الحقيقية التي تسبّبها الصراعات.
أما ختام تحقيقات العدد فهو من "سيول"، حيث يناقش “هان كيم هيون” الممارسة المفهوماتية للفنان “كيم بيوم” الذي تخرق أعماله اللعوبة سقف التوقعات المجتمعية الراسخة عما يمكن للمرء أن يشاهد، وتشمل مشاريع “بيوم” الخيالية محاولة إقناع الصخور بأنها طيور، وأنه بإمكانها الطيران، بالإضافة إلى تقديم دروس شاقة للأغراض المنزلية التي ما هي في الحقيقة إلا أدوات.
يبدأ قسم المقالات بمشاركة كريمة من “جو مارتن لين-هيل” الذي يلقي نظرة على حوليّات معرض دوكيومينتا ليرى مدى العالمية التي وصل إليها منذ إطلاقه سنة 1955، ثم تأخذنا المحررة المساعدة “كاثي زانغ” إلى سياق الاستثمار الكبير لدول آسيا في القوة الناعمة من خلال الفنون، لتتساءل عن الآثار بعيدة المدى التي قد تخلّفها الإستراتيجيات الثقافية من الأعلى إلى الأسفل “Top-down” ـ كالتي تشهدها اليابان وأوستراليا والصين حديثاً ـ على الإبداع الفني في آسيا.
وفي قسم “دراسة حالة” يبحث “شين- شين ياب” في أسئلة الحقوق الأخلاقية المتعلقة بحالات معقدة يكون فيها إنتاج عمل فني ما متضمناً تغييرَ أو تخريبَ عمل آخر، وهي الأحجية المعاصرة التي ستفاجئ الفنانين ومقتني الفنون في آن معاً.
أما في باب “لمحات” فسوف يقدم المحرر المشارك “مايكل يونغ” مدخلاً محايداً لنسخة الفنان “ستوارت رينغولت” المقيم في ميلبورن من “العلاج بالفن”، والتي تشمل دورات التحكم بالغضب وجولات في الفن العاري في أماكن مثل “متحف الفن القديم والجديد” في "هوبارت"، ومؤخراً في “سيدني” أثناء إعادة افتتاح “متحف الفن المعاصر” في أبريل/ نيسان، وقبل أيام من افتتاح معرضه الفردي في “لي يوم؛ متحف سامسونج للفنون” في “سيول” يتحدث الفنان “دو-هو سوه” إلى “جايون تشوي” حول الفضاءات المعمارية التي يعيد تصنيعها كمواقع للتاريخ والذاكرة.
وفي أعقاب الأنباء الواردة عن شركات التواصل الاجتماعي الإلكترونية ـ مثل “تويتر” ـ التي كانت قد قدمت تنازلات للحكومات يتم بمقتضاها فرض رقابة على الرسائل إذا ما طلب ذلك، فقد دعونا الفنان والمدون “آي ويوي” ليفسّر لنا من خلال “محور العدد” ما يعنيه ذلك كله في الصين، سيما أنه وأمثاله يملكون الكثير ليقولوه.
في عمود “واحد لواحد” يكرّم الفنان التركي “أحمد أوغوت” زميله ونظيره المفهوماتي “تونش علي كام” الذي أصبحت لأعماله اليومية هالة الأساطير المحلية.
وفي رسالة العدد يلقي قيم متحف “M+” نظرة على المشهد الفني المتماسك في هونغ كونغ، وذلك في خضم استعدادات المدينة لأكثر معارض الإقليم عالمية “أرت هـ. ك” المقرر افتتاحه منتصف مايو/ أيار، فيما تلتقط الفنانة الهندية “ناليني مالاني” استراحة من عملها لتجيب عن أسئلة استبياننا، مقرّة فيه أن الشيء الوحيد الذي لا تستطيع العيش من دونه هو (جرعاتي اليومية من أحلام ونزوات اليقظة الباتايية Bataillean).
وبالإضافة للمراجعات الواردة من “ملبورن” و"تايبيه" و"نيو دلهي" و"بيروت" و"اسطنبول" و"برلين" و"ميلان" و"نيويورك" و"لوس أنجلوس" و"سان فرانسيسكو"؛ فإن عدد مجلتنا هذا يصحبنا إلى “سريلانكا” لنقدم مراجعة مستفيضة حول “بينالي كولومبو الفني” الثاني الذي منح من خلال موضوعه (أن تصبح) الفرصة للفنانين لتجاوز عبء أكثر من 25 عاماً من الحرب الأهلية والعنف.
وفي بكين تجري “إيونا ويتاكر” تقييماً لمعرض المنحوتات الضخمة (انطلاقة) الذي شهده “متحف الفن اليوم”، في حين يتوجه “جون جيرفس” إلى صالة عرض “وايت شابيل” في لندن ليسبر النظرة العامة المقدمة لمسيرة “زارينا بهيمجي” ذات الـ27 سنة.
وفي قسم مراجعة الكتب يقارن كبير المحررين “دون ج. كوهين” بين دراسة “تيت مودرن” الاحتفالية حول الثروة القومية اليابانية “يايوي كوساما” والرواية النابضة التي تقدمها تلك السيدة المخضرمة لأحداث حياتها في سيرتها الذاتية (اللانهاية الصافية Infinity Net)، مذكّراً القراء بأن عليهم أحياناً تخيّل ما لم يُقل، كي يدركوا معنى ذاك الذي قيل.