لقد غدت منابر مثل الـ “Weibo” قوة الضغط الكبرى لدى الصينيين لمساءلة السلطات وتداول المعلومات، ولعرض إرادتهم ومطالبهم السياسية، ولأنه لا يمكن التحكم في الأشكال الجديدة من التكنولوجيا، فإن هذه المواقع تشكل أزمة وجحيماً للسلطات في الصين.
لا تحترم الحكومات القمعية قنوات التواصل بلا قيود، ولا تحب حتى أن تسمع عنها، فالحكومة في الصين مثلاً تفرض سياسة صارمة جداً على استخدام الإنترنت، إذ أقامت ما يسمى “جدار الحماية العظيم The Great Firewall” ساعية إلى التقليل من ظهور المعلومات التي تُسَائل السلطة أو تنحو بعيداً عن البروباغاندا السياسية، والرواية الأصلية للحقيقة حساسة دوماً، لأنها ستكشف النقاب عن شخصيات متعددة، وأعتقد شخصياً أن الحكومة الصينية تدرك أبعاد الخطر الكامن في التدوين المصغر والمواقع الاجتماعية، لأنها لا تملك أية وسيلة للتعامل مع التدفق الحر للمعلومات والنقاش.
إن المتطلب الأخير الذي فرضته الحكومة على مستخدمي الـ “Weibo” من تسجيل أسمائهم الحقيقية ما هو إلا جزء من محاولتها التحكم في الإنترنت، وفرض سياسة مصممة أساساً لإخافة الناس من البحث عن المعلومات الدقيقة، والقانون الصيني ينص على عقوبات قد تصل إلى السجن عدة أعوام لمجرد التفوه بجملة واحدة أو إلقاء قصيدة، كاشفاً بذلك كيف أن النظام الشمولي يعتمد على الرقابة، ومبيناً نظرة الحزب الشيوعي للآراء العامة وللانخراط السياسي، وإن هذا جميعه إساءة إدارة تامة للمواقع الاجتماعية بما يناقض حتى الدستور الصيني ذاته.
قد يرهب متطلب التسجيل في الـ “Weibo” بعض المفكرين الاحترازيين، لكنه لن يرعب بأناس مثلي يسعون حقاً إلى التعبير عن أنفسهم، وإنه من دواعي السخرية أنني أستخدم دوماً اسمي الحقيقي على الإنترنت، لتقوم السلطات بشكل دائم بحجبي وبمنعي، مما يرغمني على استخدام اسم آخر للتسجيل.
سأحاول الآن أن أسجّل اسمي الحقيقي ثانية لأرى إن كان البرنامج سيقبل تسجيلي امتثالاً لسياسته الخاصة، بعد أن كنت على مدار الشهرين الماضيين قد سجّلت ما لا يقل عن 100 حساب بأسماء مختلفة، كانت جميعها تتعرض للمحو بعد يوم أو يومين، وأطول أسماء المستعارة بقاء في البرنامج كان (القرد آي Monkey Ai)، وهو الاسم الذي استخدمته حين بدأ الناس يقرضوننا المال اللازم للكفالة إبان قضية التحقيق في ضرائب شركة زوجتي.
استطاع حوالي 3 آلاف مستخدم الوصول إلينا عبر الـ “Weibo” وأقرضونا ما مجموعه 1.42 مليون دولار أمريكي، نعم.. كانت معجزة حقاً أرهبت السلطات ونبّهتهم إلى ما يمكن أن يحدث في حال سمحوا لي بالتحدث بحرية عبر الـ “Weibo”.
من جانبه أعلن موقع “تويتر” مؤخراً عن إمكانية فرض رقابة على “التغريدات” بناء على طلب البلد، لكنني أعتقد أنه لن يوافق على نوع القيود التي سترغب السلطات الصينية في فرضها عليه، لذلك لا أظن أن رقابة “تويتر” ستنجح عملياً في الصين.
أعلم تماما أن كل البلاد ستتبنى سياسات متعددة تجاه المعلومات العامة والمناطق التي تلزمها الرقابة، لكنني أعتقد أن سياسيات الصين تجاه الرقابة قد تجاوزت ما يمكن قبوله، أضف إلى ذلك أن الصين ليست بحاجة إلى “تويتر” الذي لا يستقطب إلا أقل من 200 ألف مستخدم، بالمقارنة مع 300 مليون يستخدمون الـ “Weibo”.
قد يشكل الطلب على الحقيقة في محيط من الرقابة القاسية احتمالاً قوياً لعدم الاستقرار، فحين يصبح مثل طنجرة ضغط لا يمكن التحكم بها يفقد البشر الثقة بوسائل الاتصال التقليدية الخاضعة أصلاً للرقابة، لذلك يلجأون إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وفي النهاية سيصبح للتدوين المصغر اليد الطولى لأنه تواصل إنساني مريح وفي متناول اليد وبغاية البساطة، ولا تلزم له معرفة تكنولوجية معقدة من جانب المستخدمين، بل مجرد نوع من الثقة والتفاهم فيما بينهم.
يربط التدوين المصغر بين أنواع من الشخصيات الإنسانية المعتادة على حرية التعبير، والفردية، والآراء النقدية، وحتى الفانتازيا، وهم يتماهون عادة مع شخصيات رمزية على الإنترنت في نطاق الآراء السياسية والجماليات والأحكام الأخلاقية، ولا أعتقد أن بإمكان أي سلطة أن تضع حداً لذلك، إلا أن نوع الكفاح الذي ينتظرنا وتكلفته يبقيان مبهمين.
وفي الختام يمكنني القول إن ما يشدني ويبهرني في الإنترنت هو قدرتي على إيصال فني وواقعي إلى العالم الافتراضي، وكذلك المساحة التي منحني إياها لأقاسم أفكاري وعواطفي وبعضاً من اللحظات المهمة مع مئات آلاف البشر، وما ينتج عن ذلك هو نوع من الشكل أو الصوت المشجّع للغاية، بما يشبه المعجزة، فقد عاش العديد من الناس اليائسين أمثالي لحظات تحرّر ما كان ممكناً اختبارها لولا الإنترنت هذا يكفي وحده.